كشف صحي


مكثفات الأوكسجين: تجهيزات وفرتها التبرعات أنقذت الوضع الصحي وقت الأزمة 

22/04/28

  مرّت الوضعية الصحية في تونس بسبب فيروس كورونا بخمسة موجات متتالية منذ ظهورها في مارس 2020 ، و قد تفاقمت الأزمة بشكل غير مسبوق أواسط 2020 والثلاثية الثانية و الثالثة من سنة 2021 مما تسبب في عجز المؤسسات الاستشفائية عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى في الأقسام الاستعجالية و الأقسام الداخلية و وحدات الانعاش.

  و كان للمتحور “دلتا” النصيب الأكبر من الضحايا نظرا لحجم خطورته والذي مع ظهوره سجلت تونس 4000 اصابة في اليوم وارتفع عدد الوفيات إلى 14 حالة وفاة خلال شهر جوان 2021.

وقد شهدت المستشفيات نقصا حادا في مادة الأوكسجين الطبي و كذلك من مكثفات الأوكسجين و أطلقت الجهات المسؤولة حالة الطوارئ الصحية خاصة في المؤسسات الاستشفائية الجامعية التي تستقبل أعدادا كبيرة و تتحمل قبول الأعداد المتزايدة من المصابين. 

واستجابة لهذا النداء استقبلت تونس شحنات كبيرة من الأكسجين من كافة أقطار العالم كما كان للمجتمع المدني و الجمعيات الأهلية بمختلف اختصاصاتها في مقدمة هذه الحرب بتسخير جميع الامكانيات المادية و اللوجستية لتوفير مكثفات الاوكسجين و التنسيق مع القطاع الطبي الخاص و العمومي من أجل توفير هذه الآلات للمصابين سواء في المصحات الخاصة  أو المستشفيات العمومية أو مراكز الايواء الجماعية عبر التنسيق المباشر مع وزارة الصحة. 

حمودة الببا المدير الجهوي للصحة بالمنستير قال لكشف ميديا إن مستشفيات الجهة كانت قد عاشت حالة من الهلع نتيجة النقص الهائل في مادة الأوكسجين السائل و لذلك تم إطلاق دعوة في شهر جوان 2021، إلى التبرع  بمكثفات الأكسجين وامداده بسعة 10 لتر حتى نتفادى كارثة قد تحصل لا قدر الله”.

 في حين يرى لطفي بوغمورة المدير الجهوي لمستشفى فرحات حشاد في تصريحه لكشف ميديا أن الحديث عن مخزون صفر من الأوكسجين فذلك يعني  توفر 7 ساعات عمل فقط.

ويضيف:

 سعينا في تلك الفترة إلى مراقبة المخزون باستمرار علما و أن المستشفى مجهز بصهريج بطاقة استيعاب 10 آلاف لتر وآخر بطاقة استيعاب 3 آلاف لتر، كما لدينا 3 كبسولات كل منها تحتوي 9 قوارير من الأكسجين الغاز وليس السائل.

صورة كشف ميديا

 و في المقابل صرح الناشط في المجتمع المدني الناصر عزيز لكشف ميديا أن المجهودات المبذولة من أجل التزود بمكثفات الاوكسجين قد بلغت أوجها في شهر جوان 2021 حين احتدت موجة الكورونا و قد تطوع متساكنو منطقة الساحلين الواقعة بولاية المنستير، مثلا بما يعادل شراء 20 مكثف أوكسجين ذي سعة 10 لتر و قد وضعت جلها على ذمة جمعية خيرية اجتماعية لتزود المرضى من أبناء المنطقة ولا تزال هذه الآلات على ذمة الجمعية.

كما انتفع بها أكثر من 300 مصابا بكوفيد19 و تطلبت حالتهم التدخل الطبي بتمتيعهم بجرعات الأوكسجين، و كان ذلك بالتنسيق مع إطارات طبية بالجهة.

 ويشار إلى أنه انتفعت العديد من المستشفيات الجهوية بتبرعات من المجتمع المدني فيما يخص مكثفات الأوكسجين، فعلى سبيل المثال تزود المستشفى الجهوي بولاية قبلي بما قيمته 100 ألف دينار من هذه التجهيزات في شهر جوان الماضي.

 أما الناشط في جمعية “تونسيو الضفتين” العربي الريحاني فقد صرح لكشف أنه زود المستشفيات التونسية في الجهات بأكثر من 200 مكثف أوكسجين و قد وضعت جلها على ذمة المجتمع المدني في الجهات و تم تسليم جزء كبير منها إلى المستشفيات المحلية و الجهوية حسب رغبة مانحيها بموجب اتفاقيات مع وزارة الصحة تم التوصل إليها بعد مفاوضات عسيرة. 

لئن غابت الاحصائيات الرسمية عن عدد آلات الأوكسجين التي تم توريدها من الخارج عبر عدد من الجمعيات الأهلية التونسية وكذلك ما تم توريده بصفة فردية فإن المد التضامني قد شهد ذروته في جوان و جويلية و أوت 2021 وذلك بتوفير الآلاف من مكثفات الأوكسجين للمصابين بفيروس كورونا و تكفل المئات من المتطوعين بتسهيل العملية اللوجستية  و قد أمضت العديد من مكونات المجتمع المدني شراكات مع وزارة الصحة لتزويد المؤسسات الاستشفائية.

و رغم نداءات الاستغاثة المتكررة التي أطلقها أطباء و ناشطون حول نفاذ مادة الأوكسجين السائل فإن مسؤولين في وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية نفوا ذلك. 

وكان  وزير الصحة السابق  فوزي المهدي في حكومة هشام المشيشي التي وقع حلّها في 25 جويلية 2021، قد صرح في مؤتمر صحفي، أن “أزمة الأكسجين تسبب بها ارتفاع كبير لعدد المرضى” مضيفا:مررنا من استهلاك 25 ألف لتر من الأكسجين قبل الجائحة إلى 230 ألف لتر حاليا”. و كان قد نفى المهدي انهيار المنظومة الصحية قائلا:

لم نسجل خسائر بشرية ناتجة عن النقص في الأكسجين وتمكنا من السيطرة على الوضع وهذا انتصار على الوباء في الوقت الحالي. 

و رغم الهبة التضامنية الاجتماعية في القطاع الصحي التي رافقت موجات كوفيد19 في تونس بخصوص التزود بمكثفات الاوكسجين فإن عقبات كبيرة قد حالت دون تحقيق النتائج المرجوة في ذروة الأزمة، فقد اقتادت البيروقراطية الإدارية في تونس الهبّة الوطنية من أجل إنقاذ المرفق الصحي إلى فشل نوعي تمثل أساسا في إعاقة الجمعيات وتعطيلها عند توريد مكثفات الأوكسجين و تكبيل المزودين برزمة من الوثائق و الالتزامات و الإجراءات والقوانين التي لا تتماشى و طبيعة واقع الأزمات وحاجتها إلى السرعة والنجاعة في اتخاذ القرار وتنفيذ الحلول.

 و تمثلت جملة هذه العقبات خاصة في إدارة الجمارك و الإتاوات الديوانية على التجهيزات الموردة، و تعقد الإجراءات عند التصريح بمكثفات الأوكسجين و مسألة الإعفاءات من الرسوم الاضافية بالاضافة إلى ضرورة الاستظهار بالوثائق المؤشر عليها من وزارة الصحة و وزارتي الصناعة و التجارة. 

وعلى الرغم أنه في بلاغ صادر عن مصالح وزارة الصحة أوائل شهر جويلية 2021 مفاده، أنها تلتزم، “بتسهيل التسريح الديواني للمساعدات العينية المتبرع بها شريطة استظهار المعني بالأمر بوثيقة محررة وفق الصيغ المعمول بها في هذا الإطار تثبت أن المساعدات العينية تم التبرع بها في شكل هبة إلى وزارة الصحة وذلك في نطاق تسهيل عمليات التبرع لفائدة الدولة”.

إلا أن الواقع على الأرض لم يكن بتلك السهولة.كمغ أثار شرط “الهبة” لوزارة الصحة حفيظة العشرات من المتبرعين/ات الذين تمسكوا بأحقيتهم في تزويد مناطقهم/ن و جهاتهم/ن بالتبرعات الممنوحة منهم وليس وضعها على ذمة الوزارة التي قد تلتجئ إلى التصرف فيها على خلاف رغبة المتبرعين/ات.

علاوة على ترويج معلومات حول حجز المصالح الديوانية للعشرات من مكثفات الأوكسجين في الوقت الذي ارتفع فيه عدد الضحايا و تختزل مجموع هذه العقبات المذكورة طبيعة القوانين التونسية التي لا تتماشى و طبيعة الأزمة المطروحة من جهة و تعكس وعيا مجتمعيا مخصوصا يتصل بالعلاقة بين الدولة و المجتمع المدني والتي تتسم بالهشاشة و عدم الثقة والاستقرار

.كما كشفت أزمة كورونا ضعف البنية التحتية للمستشفيات التونسية في خصوص التزود بمادة الأوكسجين السائل التي تحتكرها شركتين وحيدتين في تونس مما يدعو إلى وضع استراتيجية وطنية للتزود بمثل هذه المواد الحيوية و عدم الوقوع في الخطأ نفسه الذي اهتزت له المنظومة الحية في تونس أواسط 2021، سيما وأن تونس مقبلة على احتمال مجابهة موجة سادسة من انتشار جائحة كوفيد19.


كتب هذا التقرير بصيغة حساسة للجندر

بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا

إشراف عام خولة بوكريم