22/09/24
كشف ميديا- تونس :
بقلم أصيلة بلغيث
إشراف عام خولة بوكريم
أثار المرسوم الرئاسي الجديد عدد 54 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022، جدلاً واسعًا وانتقادات هامّة في صفوف الأوساط الحقوقية والمعارضة والمتعلق أساسا بمكافحة الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، لما يمثلّه من تهديدات لحريّة الصحافة وفرض لعقوبات زجرية يعتبرها أغلب الصحفيين مبالغ فيها.
يأتي ذلك في فترة يتصاعد فيها عدد المٌحاكمات العسكريّة ومحاكمات الرأي، لمٌدوّنين ومحامين وصحافيين ولعلّ آخرها الصحفي صالح عطيّة اثر تصريح أدلى به إلى قناة الجزيرة.
وبرفضه المثول أمام القضاء العسكريّ وتمسّكه بالجواب عن الأسئلة أمام القاضي العدلي وفق المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرّيّة الصحافة، قضّى عطيّة 3 أشهر سجن، لتنضاف قضيته إلى سجّل قضايا الرأي والنشر الخاصة .بالاعتداءات على حريّة التعبير، في ظلّ صدور مرسوم جديد يشرّع لعقوبات سجنيّة غير مسبوقة.
وفي حديث مع كشف ميديا، تقول مديرة تحرير الشارع المغاربي، كوثر زنطور:
إنّ المرسوم عدد 54، مرسوم عقابيّ وترهيبيّ وهو مهدّد فعلا لحريّة التعبير، ومن غير المستغرب إصدار مرسوم كهذا عن رئيس الجمهوريّة نظرا لما لمسناه وعهدناه منه باعتباره من أكثر المسؤولين عداء لحريّة التعبير حيث لا حوار مع الصحفيين منذ حواره الأخير الذي أجراه منذ 100 يوم على دخوله قصر قرطاج، وخاصة بعد استقالة المستشارة المكلّفة بالإعلام وشغور هذا المنصب إلى اليوم .
وتابعت زنطور أن هناك إشكال حقيقي للنّفاذ إلى المعلومة حيث بات من الصعب جدّا على أي مؤسسة إعلاميّة التحرّي من خبر خاصّة منها المؤسّسات التي يرى رئيس الجمهوريّة، قيس سعيّد، أنها تنتقده، رغم أهميّة الأخبار وحساسيّة الوضع الذي تمرّ به البلاد والذي يتطلّب من الصحفيين التثبّت وبشكل كبير في أيّ معلومة يتمّ تداولها مع عديد الأحداث والقضايا الكبرى التي تتعالج محمّلة بذلك المسؤولية إلى رئيس الجمهوريّة، وفق تقديرها.
وفيما يخصّ الفصل 24 من المرسوم، اعتبرت كوثر زنطور، أنه في غاية من الخطورة مشيرة إلى أنه من الواجب التحسيس بمخاطره خاصّة وأنه دخل حيّز التنفيذ بصدوره في الرائد الرّسمي وبذلك سيكون أيّ صحفي أو أيّ شخص معرّض للسجن من 5 إلى 10 سنوات بسبب تدوينة أو مقال، وفق تعبيرها.
ورجّحت زنطور أن الصحفيين معنيين بعقوبات هذا المرسوم أيضا حيث لا وجود لأيّ استثناء لهم لافتة إلى أنه لا غياب لنصّ تشريعي حتّى ينصّص رئيس الجمهورية على هذه العقوبات.
وأشارت زنطور إلى أنّ وسائل التواصل الإجتماعي أصبحت مهيمنة مقارنة بالإعلام الحقيقي موضّحة أن من يقف وراءهم ليسوا بمؤسّسات إعلامية أو صحفيين.
وبيّنت زنطور أن رئاسة الجمهورية من أكثر المؤسّسات التي تنشر الأخبار الزائفة والإشاعات،وفق قولها.
وأضافت زنطور:
إنّ إصدار مرسوم لحلّ مشكل الأخبار الزائفة يعني أن تكون مثالا ولا تكون من أكثر الجهات التي تنشر الأخبار الزائفة.
،أفادت زنطور بأن هذا المرسوم في اتجاه لتعزيز قوّة رئيس الجمهورية وليس بمرسوم لحلّ المشكل
معتبرة أن قيس سعيّد الذي كان ضحيّة من ضحايا الميليشيّات الفيسبوكيّة، أضحى هناك ميليشيّات وذباب محسوب عليه، وفق قولها.
كما اعتبرت زنطور أن كلّ التيّارات السياسيّة وكلّ الناشطين تضرّروا من المليشيّات الفيسبوكيّة والأخبار الزائفة مشيرة إلى أن هذا المرسوم لا يمكن أن يكون بديلا لمعالجته، على حدّ تعبيرها.
وأكدت زنطور ضرورة إعداد إطار تشريعي وخلق مقاربات جديدة بعيدا عن الترهيب الذي يخلقه هذا المرسوم مشيرة إلى إمكانيّة الاستناد إلى تجارب أخرى كالاتصال ببعض المنصات الرقمية لتكون بذلك شريكة للدولة في مواجهة حالة الانحراف على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق تقديرها.
من جهته، يقول الصحفي عبد الرؤوف بالي لكشف ميديا إن المرسوم جاء ليتدخّل في المرسومين 115 و116 ليصبح الصحفي ككلّ المجرمين من أجل تشويه الآخرين وترويج الإشاعات.
وأضاف بالي بخصوص الاتصالات أن عمليّة التنصت لم تعد بإذن قضائي حيث أن المرسوم يشرّع للتنصت في المٌطلق معتبرا ذلك من بين الإشكاليات المطروحة.
وتابع بالي:
إن حريّة التعبير شيء والترويج للإشاعة شيء آخر وهناك خوف حقيقي لتكميم الأفواه.
واعتبر بالي أن السّلطة بدورها تدعم الإشاعة داعيا وبشدّة إلى ضرورة سحب المرسوم.
الصحفية بالإذاعة الوطنية، جيهان علوان، هي الأخرى تُعارض ما ورد في نصّ هذا المرسوم مشدّدة على أنه فيه نوع من الغموض وهو ما يجعل التأويلات تتجّه في مسارات خطيرة تهدّد حرية التعبير، وفق تقديرها.
كما لفتت جيهان إلى ” العقوبات الثقيلة ” الموجودة في المرسوم والتي تمثّل تضييقا غير مباشر على حرية التعبير باعتبار أنّ المبالغة فيها تولّد ضغطا على من سيكتب فكرة أو سيعبر عن رأيه سوى أن كان مدونًا أو صحفيًا أو حتى مواطنًا عاديا، حتّى يتراجع ولا يكتب فكرته بكلّ حرية، وفق تعبيرها.
وتابعت جيهان أن هذا المرسوم ليس في محلّه وليس بالطريقة المناسبة لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتنقية الفضاء الرقمي.
وتابعت محدّثة كشف ميديا :
هناك خطر وتهديد صريح على حرية التعبير باعتبار أن أي شخص يكتب تدوينة أو ينقلها عن شخص آخر مهدّد بخمس سنوات وعقوبته تضاهي عقوبة تاجر مخدّرات وكأن حرية التعبير أصبحت جريمة جنائية
وأضافت جيهان أنه من المفترض العودة إلى مراسيم النشر باعتبارها تنظم حرية التعبير، ويعاقب بموجبها كل مخالف.
وبخصوص بيانات المنظمات الحقوقية المنددة بالمرسوم، قالت جيهان إنّ المرحلة تتطلب أكثر ضغط وبإمكان هذه المنظّمات التّوجه إلى المحكمة الإدارية للطعن، كما يمكنها أن تطلب لقاء مع رئيس الجمهورية، لتوضيح النقاط التي تمثل خطرا في هذا المرسوم.
وشددت جيهان:
أي صحفي يؤمن بأن سلاحه حرية التعبير لا يمكنه أن يقبل بهذا المرسوم.
” بعقلية دستور 2022 ”
وفي الأثناء، دعا أستاذ القانون، أنور القوصري، في تصريح خاصّ لكشف ميديا، إلى ضرورة سحب المرسوم الجديد المتعلّق بمكافحة الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتّصال معتبرا أنّ المرسومين 115 و116 تمّ سنّهما دفاعا عن حرية التعبير فيما يهدف هذا المرسوم إلى ضرب حريّة التعبير وتتبّع الناس، وفق قوله.
وأضاف القوصري أن الهدف من هذا المرسوم ليس الرّدع باعتباره موجود في القوانين التونسية على غرار المجلّة الجنائية والتي يقع بموجبها إيقاف عشرات المواطنين يوميا واحالتهم على المحاكم.
وأشار أستاذ القانون إلى أن الدستور القديم ودستور 2014 لم يسمحا بمثل هذه الأشياء مبيّنا أن هذا المرسوم صيغ بنفس عقلية دستور 2022 بخلفيّة تقضي بالاعتداء على الحريّات وانتهاكها ومنع حريّة التعبير، على حدّ تعبيره.
وبشأن العقوبات المتعلّقة بالموظّف وشبه الموظف والمقدّرة بـ 10 سنوات، لفت القوصري إلى أن التّرفيع في عقوبات قاسية إلى هذا الحدّ، يهدف إلى صنصرة المواطن حتى لا ينتقد السلطة،وفق قوله.
وتابع القوصري أن مثل هذه القوانين منذ فترة حكم بن علي لا تطبّق سوى على المعارضين مشدّدا على أن الأمر ذاته سيحصل الآن.
“وصمة عار”
شغل هذا المرسوم أيضا عديد الأطراف السياسيّة التي أجمعت تقريبا في بيناتها وندواتها الصحفيّة على رفض تامّ لما ورد فيه، كجبهة الخلاص والتيّار الديمقراطيّ وحزب العمّال والقطب والتكتّل والجمهوري وآخرها الدستوري الحرّ.
واعتبرت رئيس الحزب الدستوري الحر عبير موسي، أن المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بانظمة المعلومات والاتصال هو وصمة عار على جبين قيس سعيد، وفق تعبيرها.
وأشارت موسي أثناء ندوة صحفية للحزب، إلى أنّ المرسوم 54 جاء به سعيد لتصفية حساباته وليخرس الاصوات، على حد تعبيرها.
وقالت موسي إنّ المرسوم عبارة عن نص زجري فيه اعتداء صارخ على حرية التعبير المستهدف منه الإعلام.
مرسوم “قديم” جديد
وفي ذات السياق، أدانت أكثر من ثلاثين منظمة حقوقيّة المرسوم الجديد ودعت بذلك رئيس الجمهورية،قيس سعيّد، إلى سحبه “فورا” من أجل دعم حرية التعبير وحرية الصحافة في البلاد، وفق بيان مشترك.
وكشفت هذه الجمعيات والمنظمات الحقوقية الموقعة أنّ مسار المصادقة على هذا النصّ القانوني اتسم بالتعتيم والغموض الكبيرين، حيث تم نشر نسخة مسربة من نص مشروع قانون مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال لأول مرة في أوت 2015 على الموقع الإلكتروني “نواة” دون أن تؤكد أي جهة رسمية تبنيها له.
وفي غرة ماي 2018، صادق مجلس الوزراء على مشروع قانون مكافحة الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال دون أي تشريك لمنظمات المجتمع المدني.
وقالت المنظمات في ذات البيان إن التعتيم استمرّ إلى أربع سنوات إلى حدود صدور المرسوم 54 في 13 سبتمبر 2022 بعد قرابة ثلاثة أشهر من تاريخ التداول فيه في مجلس الوزراء المنعقد في 27 جوان 2022.
ولفتت الجمعيات والمنظمات الحقوقية الموقعة إلى ما تضمنه المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال من أحكام متعارضة بصورة صارخة مع الفصول 37 و38 و55 من الدستور التونسي والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من طرف الجمهورية التونسية،وفق نص البيان .
واستنكرت في ذات البيان، قيام رئاسة الجمهورية بنشر مرسوم اعتبرته مهددا لجوهر حرية التعبير والصحافة في ظرف سياسي دقيق تمر به البلاد قبيل بضعة أسابيع من انطلاق الفترة الانتخابية للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها والمقررة يوم 17 ديسمبر 2022، وفق تعبيرها.
كما حذّرت من خطورة هذا المرسوم على الحقوق والحريات الرقمية حيث تضمن قيودا اعتبرتها غير مسبوقة وهو ما سيؤدي إلى ترهيب الصحفيين/ات وعموم المواطنين/ات من التعبير عن آرائهم خاصة تجاه أعوان الدولة والمسؤولين السياسيين، وفق ما ورد في البيان .
تفاصيل الفصول
نص الفصل 24 من المرسوم على أن “يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها 50.000 دينار (15.000 دولار أمريكي) كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.
ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو إشاعة أخبار أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديا أو معنويا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو شبهه.
واعتبرت المنظمات أن هذا الفصل يتعارض مع المعايير الدولية المتصلة بالحق في حرية التعبير، حيث أنه ولئن كان من المشروع وضع ضوابط على الحقوق لحماية مصالح مشروعة مثل كرامة الأفراد أو الأمن الوطني، إلا أن ذلك لا يكون عبر تجريم عدة أفعال بصورة غامضة وغير دقيقة،الأمر الذي يؤول إلى إطلاق عنان السلطة التقديرية للأجهزة الأمنية والقضائية لملاحقة الصحفيين/ات والمدونين/ات والناشطين/ات في المجتمع المدني والسياسيين/ات وعموم المواطنين/ات.
كما يتعارض هذا المرسوم مع الضوابط الدستورية المنصوص عليها صلب الفصل 55 من الدستور والواجب احترامها عند تقييد الحقوق والحريات، حيث تضمّن عقوبات غير متناسبة مع الأفعال المجرمة بالإضافة إلى عدم دقة المفردات المستعملة.
عقوبات غير متناسبة
نص الفصل 55 من دستور 25 جويلية 2022 على جملة من الشروط التي ينبغي احترامها عند وضع العقوبات ومن بينها احترام شرطي الضرورة والتناسب، حيث نص الفصل المذكور “لا توضع قيود على الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدّستور إلاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطيّ وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العامّ أو الدّفاع الوطنيّ أو الصّحة العموميّة.ويجب ألاّ تمسّ هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحرّيات المضمونة بهذا الدّستور وأن تكون مبرّرة بأهدافها، متناسبة مع دواعيها.”
وحسب اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فإن المقصود بمبدأ التناسب أن تقوم الدولة بوضع تدابير”تكون مناسبة لتحقيق وظيفتها الحمائية، ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة، ويجب أن تكون متناسبة مـع المـصلحة التي ستحميها.”
وبالعودة إلى أحكام المرسوم لاحظت أنه وضع نفس العقاب لطائفة واسعة من الجرائم دون الأخذ بعين الاعتبار المضار التي يمكن أن تترتب عنها بما أنه وقع تقرير نفس العقاب لجرائم نشر الأخبار الزائفة والتحريض على الاعتداء والثلب والشتم.
علاوة على ذلك، تعتبر العقوبة السجنية في جرائم الثلب والشتم عقوبة غير متناسبة حسب المعايير الدولية، حيث جاء في التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 أنه لا يمكن القبول “بتطبيق القانون الجنائي إلا في أشد الحالات خطورة، وألا تكون عقوبـة السجن على الإطلاق هي العقوبة المناسبة”.
كما نص الفصل 24 على عقوبة مضاعفة كلما كانت الضحية موظفا عموميا أو مسؤولا حكوميا،الأمر الذي يعزز خطورة هذا المرسوم الذي يتعارض بصورة واضحة مع مبدأ المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات أمام القانون، حيث إن مضاعفة العقاب يعكس حصانة غير مشروعة للموظفين العموميين والمسؤولين السياسيين،والحال أنه ينبغي أن يبدي هؤلاء أكبر قدر من التسامح تجاه الانتقادات التي يوجهها الأفراد. وفي الاتجاه نفسه أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على ضرورة “ألا تنص القوانين على فرض عقوبات أشد صرامة على أسـاس هويـة الـشخص المطعون فيه ليس إلا.”
مصادر الصحفيين في مهب الريح
مكّن الفصل 9 من المرسوم الأجهزة الأمنية من طلب تمكينهم من البيانات المعلوماتية المخزنة بنظام أو حامل معلوماتي أو المتعلّقة بحركة اتصالات أو بمستعمليها أو غيرها من البيانات التي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة. وبحجز كامل نظام معلومات أو جزء منه أو حامل معلوماتي، بما في ذلك البيانات المخزنة به والتي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة.
ويشكل هذا الفصل وفق المظّمات الحقوقيّة، تهديدا جديّا لحقّ الصحفيين/ات في سرية المصادر المنصوص عليه صلب الفصل 11 من المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والذي اشترط، للحصول على المعلومات التي بحوزة الصحفيين/ات، وجود إذن قضائي وبشرط أن تكون تلك المعلومات متعلقة بجرائم تشكل خطرا جسيما على السلامة الجسدية للغير وأن يكون الحصول عليها ضروريا لتفادي ارتكاب هذه الجرائم وأن تكون من فئة المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى.لكن أصبح بمقتضى الفصل 9 من المرسوم الجديد بإمكان أعوان الشرطة تعقب المعطيات التي تكون بحوزة الصحفيين/ات دون أي ضمانات قانونية.
معركة مزيفة ضد “الأخبار الزائفة “
ينص الفصل 24 من المرسوم على أنه « يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.”
وأعربت المنظّمات ذاتها قلقلها الشديد بشأن التعريفات الغامضة لعبارات مثل”أخبار” أو “بيانات” أو “إشاعات كاذبة”. ومن المؤكد أن مثل هذه المصطلحات الغامضة ستؤدي إلى انتهاكات من قبل السلطات، وإلى تكميم أفواه الصحفيين والسياسيين المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين ينتقدون المسؤولين الحكوميين. لقد أكد المقررون الخواص الأربعة المعنيون بحرية التعبير والرأي في إعلانهم المشترك لعام 2017 بشأن حرية التعبير و”الأخبار المزيفة” والمعلومات المضللة والدعاية، أن الحظر المفروض على نشر المعلومات القائمة على مفاهيم غامضة مثل “المعلومات الكاذبة” لا يتوافق مع المعايير الدولية المتعلقة بحماية حرية التعبير.
علاوة على ذلك، نؤكد أن هناك وسائل أخرى أقل تقييدا لمكافحة “الأخبار المزيفة”، مثل تعزيز آليات مستقلة للتحقق من الأخبار، ودعم الدولة لوسائل الإعلام المستقلة والمتنوعة، والتعليم وتعميم التربية على وسائل الإعلام، والتي تعرف دوليا بكونها الوسائل الأقل تدخلا لمواجهة التضليل الإعلامي.
كما دعت المنظّمات الحقوقيّة ، رئيس الجمهورية إلى سحب المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وتنظيم مشاورات،بما في ذلك مع المجتمع المدني،لإعداد تشريعات جديدة تتناول جرائم الإنترنت مع ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية والحريات للجميع في تونس.
أسأل هذا المرسوم الحبر حيث أقرّ معظم الناشطين السياسيين والحقوقيين وال صحفيين بخطورته باعتباره يهدد مكسبا لا رجعة فيه لدى عدد من التونسيين أل ا وهو حريّة التعبير. فهل ستنجح مساعي هذه الجهات في سحب هذا المرسوم والتشاور مع رئيس الجمهور ية أم سيكون مآل
هذه الهتافات و البيانات مجرّد أحلام ورديّة.
إشراف عام خولة بوكريم