كشف حكومي


تونسيات يعانين الهشاشة الشغلية ..كٌنَّ الضحية الأكبر زمن الجائحة

22/10/05

كنت اعمل بمصنع لإنتاج الملابس الجاهزة  قبل إنتشار كوفيد 19 ومع ظهور الجائحة أغلق المصنع الذي كنت أشتغل فيه  مثله مثل غيره من المصانع وهنا أصبحت عاجزة عن توفير مصاريف إيجار المنزل وتغطية مصاريف أبنائي الثلاثة.

الآثار السلبية المترتبة عن انتشار فيروس كورونا المستجد تجاوزت الخسائر البشرية المباشرة في شكل الأعداد المتزايدة من الوفيات والإصابات بالفيروس، لتشمل العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية  وهو ما انجر عنها إغلاق المئات المصانع وهو ماساهم في إحالة الآلاف من العاملات على البطالة فوجدن أنفسهن إزاء معضلة الوباء وقلة الحيلة، ولعل فاطمة 47 عاما واحدة منهن، والتي كانت تعمل غالبا دون إعتراف قانوني ولا وظيفة ثابتة ولا تأمين صحي أو اجتماعي ولا إجازات مدفوعة الأجر.

أبنائي الذين لا عائل لهم سواي خاصة وأن زوجي عاطل عن العمل منذ فترة، ومع  تفشي الوباء وجدت نفسي اتحمل مصاريف بحجم الجبال مقابل صفر مليم من المدخول.

فاطمة لا تزال إلى حد كتابة هذه السطور عاطلة عن العمل، وتعاني لأكثر من سنتين من الهشاشة، هشاشة اجتماعية لا تطالها هي فحسب بل آلاف النساء العاملات في قطاعات عدة بما في ذلك العاملات في المصانع، اللواتي بدورهن يجابهن كل يوم ظروف قاسية مقابل أجور ضعيفة في ظل غياب التغطية الاجتماعية والرقابة من الدولة على تطبيق قانون الشغل.

 ولعل  زكية 38 سنة أم لطفلين هي الأخرى لايختلف وضعها كثيراً عن فاطمة التي تشتغل هي أيضاً في مصنع لصناعة المربى وأغلق بسبب كورونا:

كنت اتحملٌ التعب لساعات طويلة مقابل أجر متدني لا يكفي تغطية مصاريف شخص واحد إلا أنني كنت أتعاون مع زوجي على تلبية حاجيات الأطفال  ولكن مع ظهور أزمة كورونا وجدنا أنفسنا دون مورد رزق فزوجي كان يعمل في مقهى وجد نفسه أيضاً دون عمل بعد أن أجبر أصحاب المقاهي على الإغلاق.

و يعاني العاملون في قطاع المقاهي من الهشاشة الاجتماعية، في الأيام العادية، فما بالك إن تمت إحالتهم للبطالة، حيث أغلق نحو ألفي مقهى أبوابهم فعليًا و أعلنوا إفلاسهم وسرحوا العاملين فيها نظرًا لطول قرارات الإغلاق.

ويُعَد قطاع المقاهي من بين أكثر القطاعات المتضررة في تونس نتيجة وباء كورونا، في الإجراءات التي اتبعتها الحكومة لمجابهة الوباء قضت بتقييد عمل المقاهي لساعات معينة وبطاقة استيعاب لا تتخطى 30% في داخل المقهى و50% في فسحته الخارجية، وهو ما أدى إلى تراجع نشاطهم.

هذا التراجع أدى بدوره إلى تدهور أوضاع العاملين فيه وفقدان مورد رزقهم الرئيسي لسد الاحتياجات الأساسية لأسرهم.

تقول زكية في هذا السياق:

أشتغل لأشارك  بدخلي في سد احتياجات أسرتي، ولا يكاد يبقى لي إلا القليل لألبي به مصروفي الشخصي، فمصاريف البيت والتزامات أفراد الأسرة  تدفعني للعمل في ظروف قاسية أحيانا في مثل هذه الوضعية الهشة، ونحن غير متمتعات بأدنى ضمانات الحماية والتغطية الاجتماعية والرعاية الصحية.

تبلغ نسبة العاملات في القطاع غير المهيكل من إجمالي النساء العاملات على التوالي 30 و49 بالمائة،  وفق ما أورده التقرير السابع لتنمية المرأة العربية لسنة 2019 الصادر عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث تحت عنوان ” المساواة بين الجنسين في أجندة 2030 

 نعاني الفقر بسبب هشاشة هذه القطاعات والتي تفاقمت جراء انتشار كوفيد 19، حيث جدنا أنفسنا دون سابق إنذار بلا عمل ولا مدخول نحارب الوباء الذي لم يكن وقتها خطرا على صحة التونسيين فحسب وإنما كشف أثرا إقتصادياً وجتماعياً وأبرز العديد من ضحايا القطاعات الهشة  في تونس .

بهذه الكلمات عبرت أمل عن حالتها الاجتماعية لكشف وهي فتاة عزباء لم تتجاوز 28 من عمرها، وجدت نفسها عاطلة عن العمل بعد إغلاق مصنع الملابس الجاهزة الذي كانت تعمل به، وأثقلت كاهله الديون الاقتصادية المنجرة عن تداعيات الجائحة.

عالميا، توجد أعلى نسبة الفقر حسب الوضع الوظيفي بين العمالة بدون أجر (22%)، ثم العمالة الحرة حسب  التقرير المعنون “الفقر والرخاء المشترك

بتفاقم أزمة “الكورونا” بقيت أغلب النساء بلا عمل و بلا أجر، مُحالات على بطالة قسريّة تضاف إلى رصيد البطالة الاعتيادية (نسبة البطالة في صفوف النساءـ24.9 في %)  سنة 2020 وفق  بيانات إحصائية  نشرها المعهد الوطني التونسي للإحصاء

ارتفاع معدل البطالة بين النساء ومحدودية مشاركتهن في الحياة الاقتصادية، جعلهن أكثر عرضة للفقر وخاصة في المناطق الريفية

ومن جهته  أكد منير حسين عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية  توقف مداخيل القطاعات غير منظمة  طيلة فترة الحجر الصحي منذ شهر مارس إلى شهر أوت وهذا ما دافعهم للقيام بتحركات احتجاجية للمطالبة بالمنح إلا أن المنحة التي خصصتها الحكومة لم تصل إلا بعد الحجر الصحي نتيجة بطء الإجراءات وصعوبة التدقيق في وضعيتهم 

وتابع حسين لكشف ميديا أن الفئة التي تشتغل كذلك في قطاع الخدمات مثل المقاهي  انقطعت  عنهم الأجور في تلك الفترة كذلك الحال بالنسبة للمصانع التي لم تدفع نصف الأجر وأخرى أفلست وأغلقت 

هذه الفئة لم تمس في أجرها ومورد رزقها فحسب بل كذلك في حقوقها الاقتصادية والاجتماعية أبرزها الحق في الصحة حيث أن نسبة كبيرة من هذه الفئة لم تقدر حتى على المعالجة نظراً وأن المنظومة الصحية أولت اهتمامها بالكوفيد همشت هذه الفئة 

ومن جهة أخرى قامت منظمات المجتمع المدني بدورها الرقابي والتحسيسي خلال فترة الكورونا بالضغط ميدانيا من خلال حملات المناصرة  والدراسات والتقارير التي قدمتها كالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية النساء للبحث حول التنمية والجمعية التونسية للحراك الثقافي فإن التقصير يبقى سياسيا تعوزه الإرادة الحقيقية لتغيير واقع النساء العاملات في القطاعات الهشةكل النساء التونسيات مهما اختلفت مستوياتهن وامكانياتهن ساهمنَ في مجابهة فيروس كورونا جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة ولعل أبرزهن العاملات في مصانع للكمامات وملابس الوقاية الطبية اللواتي اختارن الدخول في حجر صحي في المصانع، اي مكان عملهن،  لمدة 15 يوما للمساعدة على زيادة الانتاج ومواجهة الطلب المتزايد على هذه المستلزمات أثناء فترة الكورونا.


بالشراكة مع صحافيون من أجل حقوق الإنسان/الشؤون الدولية كندا

إشراف عام خولة بوكريم