كشف صحي


بعد عاصفة كوفيد..المستشفيات التونسية مازلت تشكو نقص التجهيزات!

22/12/20

طرح من جديد ارتفاع الإصابات بالكوفيد خلال الفترة الأخيرة، وتأكيد تسجيل إصابات بالمتحور الجديد لكورونا BQ.1.1، و عودة بأعراض قوية للنزلة الموسمية، ملف جاهزية المستشفيات العمومية ومدى استعدادها لتأمين الخدمات الصحية للتونسيين/ات، فهل استخلصت السلطات العبر من الدروس التي قدمتها جائحة كوفيد 19وأمنت المستشفيات بما يكفي من تجهيزات؟

طوابير تونسيين في حالة هلع أمام المستشفيات.. صورة سوداء في البال

لا تزال حالة الهلع التي أصابت التونسيين خلال كوفيد في البال. هلعٌ لم يكن ناتج في وقت ما عن الإصابات بكورونا في حد ذاتها، بل عن اكتشاف عمق أزمة المستشفيات العمومية التي عجزت عن استيعاب المرضى وإسعافهم، لتتضح سلسلة كاملة من مشاكل تنخر قطاع الصحة كقطاع حياتي، أبرزها مشكل نقص التجهيزات، فلا تزال صور المرضى “مكدسين/ات” أمام أبواب المستشفيات وأروقتها عالقة في الأذهان، ينتظرون حقنة من ممرض أو كشف من طبيب، ولا حلّ لديهم غير الانتظار في تلك الطوابير، نظرا لكون مراكز الصحة العمومية هي الملاذ الأول لأغلب التونسيين، في ظلّ تدهور المقدرة الشرائية وغلاء أسعار العلاج في المصحات الخاصة التي تعتبر ذات خدمات صحية أكثر جودة.

توافد على المستشفيات.. أقسام الاستعجالي والإنعاش في قلب الضغط

وفي تصريحات إعلامية توزعت بين نهاية الأسبوع الفارط وبداية الأسبوع الجاري، أكد رئيس قسم الاستعجالي بمستشفى عبد الرحمان مامي الدكتور رفيق بوجدارية، أن أقسام الاستعجالي وأقسام الإنعاش وللأسبوع الثالث على التوالي تشهد ضغطا عاليا، ارتفع بنسبة 45% في أقسام الاستعجالي وتضاعف 8 مرات بالنسبة لأقسام الإنعاش، مرجحا أن يكون متحور النزلة الموسمية الجديد هو السبب خاصة في ظل عدم اقبال المواطنين المصابين بأمراض مزمنة والحوامل على التلقيح ضد ال GRIPPE.

وأشار بوجدارية إلى أن أسرة الانعاش تجاوزت طاقة استيعابها مما اضطرهم الى القيام بالتنفس الاصطناعي للمرضى في أقسام الاستعجالي.

مدى توفر التجهيزات.. سؤال بلا جواب!

لا تدلي وزارة الصحة بمعلومات ولا تنشر معطيات أو تحديثات حول عدد التجهيزات في المستشفيات، ما يؤشر لغياب الإحصائيات، وباتصالنا بعدد من المديرين الجهويين للصحة، للتقصي حول عدد التجهيزات في المستشفيات بكل ولاية وخاصة آلات الأكسيجين وأسرة الإنعاش، أكدوا عدم امتلاكهم لأرقام محددة ولا تقريبية.

وأورد تقرير بعنوان “الحق في الصحة زمن جائحة كوفيد-19” صدر عن المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في أفريل 2022، أن التجهيزات الموجودة بالقطاع العمومي تواجه مشاكل في الصيانة. بينما خلص آخر تقرير لمحكمة المحاسبات إلى أن 42% من التجهيزات الطبية معطوبة، في المستشفيات العمومية معطوبة. وأكد المعهد الوطني للإحصاء تراجع عدد المستشفيات الجهوية خلال السنوات الأخيرة من 34 سنة 2009 إلى 31 سنة.

“الوضع تحت السيطرة”.. رواية الإدارة الجهوية للصحة بتونس

وفي تصريح لموقع كشف، أفاد المدير الجهوي للصحة بتونس طارق بن ناصر، بأن مستشفيات تونس الكبرى لا تواجه نقصا على مستوى التجهيزات، لافتا إلى أنها تشهد في الآونة الأخيرة بعض الازدحام والاكتظاظ خاصة بأقسام الاستعجالي بسبب ارتفاع الإصابات بالنزلة الموسمية.

ودعا بن ناصر في المقابل إلى الإقبال على التلاقيح لتعزيز المناعة، مطمئنا المواطنين بأنه في حالة عجز المستشفيات عن استيعاب المرضى فسيتم اللجوء إلى المستشفيات الميدانية

الوضع تحت السيطرة. لم نسجل أي نقص على مستوى التجهيزات وأدوات العمل، سواء أسرة الإنعاش أو آلات الأكسيجين. اتخذنا احتياطاتنا ونحن جاهزون لأي طارئ، وفي صورة عودة قوية للكوفيد فإن المستشفيات الميدانية جاهزة وهي 3 مستشفيات بتونس الكبرى موزعة بين المنزه والمرسى وبن عروس.

النقابات الصحية تنفي الروايات الوردية

قال نوفل رحيم عضو الجامعة العامة للصحة في تصريح لكشف إن نقص الأجهزة في المستشفيات العمومية العاصمة،هو إشكال لا يمكن إخفاؤه، وليست بنفس التحديث المتعلق بالوافدين على هذه المستشفيات، وهو ما يرهق الإطارات الطبية وشبه الطبية التي لن تكون قادرة لوحدها على مواجهة طارئ صحي أو موجة جديدة من جائحة كوفيد.

ما نغطيوش عين الشمس”.. هناك نقص مستمر على مستوى التجهيزات وخاصة بمستشفيات الأطفال.. التجهيزات التي نعمل بها حاليا يمكن أن تجعلنا نسيطر على وضع ارتفاع الإصابات بالنزلة الموسمية، بفضل المجهودات المضاعفة للإطارات الطبية وشبه الطبية، ولكن يجب إيجاد حلول جذرية لتوفير التجهيزات بالشكل المطلوب والكافي 

وأرجع رحيم النقص في التجهيزات إلى عدم رصد ميزانية كافية لمنظومة الصحة العمومية من جهة، وتراكم ديون المستشفيات العمومية لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض من جهة أخرى، لافتا إلى أن عدد من المستشفيات لدى الكنام تتراوح بين 9000 دينار و 28000 دينار، وهي موارد بالإمكان أن تساعد المؤسسات الطبية العمومية على تحديث تجهيزاتها، وتجعلها قادرة على تقديم خدمات صحية عمومية ذات جودة.

من جانبه قال رئيس النقابة الوطنية للممرضين التونسيين بلال القاسمي، وضعية التجهيزات الموجودة حاليا بالمستشفيات التونسية أتعس مما كانت عليه قبل جائحة كورونا، مبرزا أن الآلات التي تعززت بها بعض المستشفيات خلال الجائحة، كانت موجهة فقط لبعض الأقسام دون اعتماد طريقة توزيع واضحة، متسائلا: 

لا يجبُ أن ننسى أن أعوان الصحة لم يجدوا أدنى وسائل الوقاية خلال حربهم ضد كورونا.. أين ذهبت الهبات التي تلقتها تونس خلال جائحة كورونا؟ كيف توزعت الاعتمادات الصحية؟ ما الذي تبقى منها؟ كيف صُرفت؟ أسئلة لا نعرف أجوبتها، بسبب عدم مشاكل تنسيق بين مؤسسات الدولة وتحديدا وزارتي الصحة والمالية، فقد علمنا أن هناك تجهيزات لم تُنقل من المطار لأنّ وزارة الصحة لم تدفع معاليم الديوانة!

واعتبر القاسمي أن المستشفيات الميدانية التي تعوّل عليها وزارة الصحة في حالات الطوارئ، ليست إلّا حلّا ترقيعيا، لأنها تفتقر إلى الموارد البشرية قبل الحديث عن التجهيزات أصلا، مستنكرا توظيف الوزارة لعدد من الإطارات الطبية وشبه الطبية في هذه المستشفيات، بطرق تشغيل هشة وعقود عمل مؤقتة في زمن الجائحة، ثم تخليها عنهم عند انفراج الوضع الصحي في تونس.

الحكومات المتعاقبة.. آذان صماء وعيون عمياء

شدّد رئيس النقابة الوطنية للممرضين التونسيين بلال القاسمي، أن وزراء الصحة الذين تعاقبوا على تونس ضمن التشكيلات الحكومية المتتالية منذ الثورة، وأوّلهم وزير الصحة الأسبق عبد اللطيف المكي، لم يحسّنوا شيئا في قطاع الصحة.

وروى القاسمي لكشف حادثة “بطلها” وزير الصحة الحالي علي مرابط، معتبرا أنها دليل على عقلية لا مسؤولية المسؤولين في تونس.

واسترجعَ القاسمي في حديثه لكشف موقفا قبيلَ انعقاد “قمة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا” (تيكاد 8)، نهاية شهر أوت الماضي، حيث زار وزير الصحة الحالي علي مرابط أحد أقسام الاستعجالي بالعاصمة، زيارة تفقدية تحسبا لأي طارئ خلال القمة.

عند حديث الوزير مع الإطار الطبي وشبه الطبي، عبرت له طبيبة شابة عند ظروف العمل السيئة ونقص التجهيزات بما يحرم المرضى في عديد الأحيان من حقهم في خدمات صحية لائقة، فتوجه مرابط بإجابة صادمة للطبيبة بشكل جعلها تجهش بالبكاء، إذ قال لها: “يبدو أنك تكرهين ميدان الطب وأتيت إليه في إطار خطأ.

قيس سعيد.. هل سنقف عند المقارنة بالستينات؟

نقص التجهيزات وغيابها في عديد المستشفيات، معضلة لا تخفى على التونسيين بجميع أصنافهم، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي صرّح يوم 1 أكتوبر 2022، في زيارة فجئية لمستشفى الرابطة بتونس العاصمة، بأن هيئة المرفق الصحي وحالته، كانت في السنوات الستين أحسن بكثير من وضعه الحالي.

تصريح لم يأت بعده أي تغيير ولم تتخذ على إثره أية إجراءات، بينما ملّ التونسيون انتظار “مدن طبية موعودة”، لم يروا منها إلا أحجار الأساس!


إشراف عام خولة بوكريم

بالشراكة مع صحافيون من أجل حقوق الإنسان/الشؤون الدولية كندا