كشف حكومي


الشركات الأهلية.. الوهم التنموي لتنفيذ خيارات الرئيس الشخصية

23/01/12

تتواصل تباعا في مختلف أنحاء الجمهورية عملية تأسيس الشركات الأهلية في قطاعات مختلفة ،خاصة وان القانون يسمح لأي شخص بالمبادرة بتأسيس الشركة وحجز اسم لها في السجل التجاري دون أي شرط،فقط ما يمكن اعتبارها شعارات ورادة في المرسوم المنظم لها من قبيل أن يكون الدافع لتأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية التي يقطنها  الشخص الذي قام بالتأسيس بحسب المرسوم المتعلق بالشركات الأهلية الصادر في 21مارس2022

وتتكون الشركات الأهلية من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن 50 شخصا وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية ولا يمكن أن يقل رأس مال الشركة الأهلية المحلية عن عشرة آلاف دينار وإذا كانت الشركة الأهلية جهوية فإن رأس مالها لا يمكن أن يقل عن عشرين ألف دينار ويجب قبل أي اكتتاب إيداع مشروع العقد التأسيسي النموذجي المصادق عليه من قبل المؤسسين، لدى كتابة المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرتها المقر الاجتماعي للشركة.

أمين حفوظي شاب معطل عن العمل من مدينة الرديف وحامل لشهادة جامعية ،ساهم بمعية مجموعة من زملائه في تأسيس شركة أهلية مختصة  في تثمين شوائب الفسفاط و استغلال المواد الإنشائية يتحدث لكشف حول أولى الخطوات يقول 

من السهل تأسيس شركة أهلية على الورق ،فبعد صدور المرسوم المنظم لهذه الشركات تحدثت إلى عدد من أصدقائي وقمنا بحجز اسم الشركة في السجل الوطني والذي كان “الشركة الأهلية لتثمين شوائب الفسفاط و استغلال المواد الإنشائية”، وبعد ذلك يضيف حفوظي” باشرنا الإجراءات الإدارية من ذلك توثيق العقد التأسيسي النموذجي الذي بإمكان أي شخص استخراجه من الأنترنات وتسجيله في المحكمة الابتدائية 

وحول الإعلان عن تأسيس الشركة اعتبر حفوظي أنه يجب نشر بلاغ في الصحف والرائد الرسمي وهو بلاغ  يعد إعلان لجلسة تأسيس  الشركة ،والتي يشرف عليها مسئول وطني أو جهوي لإعطائها الشرعية القانونية

فتح الاكتتاب يبدأ منذ صدور إعلان التأسيس ،الشرط الأساسي  بالنسبة للشركة المحلية 50مساهما على الأقل و10الاف دينار رأس مال الشركة.

قيمة السهم غير محددة يقول “أمين حفوظي” ،فيمكن أن تكون قيمة السهم دينار أو أكثر المهم لكل شخص سهم ورأس المال 10الاف دينار. 

منذ أواخر شهر نوفمبر من السنة الماضية يبحث “أمين حفوظي” وأصدقائه عن محل للكراء ليكون  مقرّا للشركة في مدينة الرديف وهو شرط أساسي ليتم تقديمه للقباضة المالية والحصول على المعرف الجبائي 

خلال إشرافه على فعاليات الملتقى الجهوي للتّعريف بالشّركات الأهلية بولاية زغوان المنعقد الجمعة 6جانفي الجاري قال وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي إن المرسوم المنظم للشركات الأهلية  يتيح التصرف في  الأراضي الاشتراكية،  وهو ما أثار تعليقات وردود فعل متباينة 

المحامي مختار الجماعي المحامي يعتقد أن وزير الشؤون الاجتماعية يفكر بصوت عال ليس أكثر لأن الأراضي الاشتراكية صنف خاص من الملكيات، التي لا يجوز المس بها واحترام نظامها باعتبار حق الملكية من أهم حقوق الإنسان وأقدمها، فالأراضي الاشتراكية وان لم تكون مملوكة لفرد بعينه إلا أنها معلومة الملكية طالما أنها راجعة لمجموعة معلومة معروفة تتصرف فيها بواسطة مجلس التصرف المنتخب، والمخول له وحده الحق في إسنادها على وجه الملكية الخاصة بمصادقة مطابقة من طرف والي الجهة، ويضيف الأستاذ الجماعي:

 إخراج هذا الصنف من العقارات من الصبغة الاشتراكية ومنحها للشركات الأهلية عمل مخالف لأحكام الدستور ويصل حتى  المساءلة الجزائية، لكن يجوز للدولة في إطار ما تحدده من سياسة اقتصادية التصرف في المخزون العقاري الراجع لها طبق القانون والتراتيب الجاري بها العمل. 

 و بالرجوع إلى أحكام مجلة الحقوق العينية فإن الملكية هو الحق الذي يخول لصاحبه سلطة استعمال واستغلال والتصرف في المال المملوك له سواء كان منقولا أو عقار لذلك وطالما كانت الأرض الاشتراكية مملوكة لمجموعة معروفه فإنه لها وحدها مطلق الحق في التصرف.

ويرى الاستاذ الجماعي” انه إن كانت الدعوات  ملحة إلى مراجعة نظام الملكية العقارية ومنها إصلاح نظام الأراضي الاشتراكية إلاٌ أن  الحل لا يكمن  في تحويلها ملكيات للشركات الأهلية، ومثل هذا التوجه المرتجل هو توجه غير مقبول سيعيد لنا حتما الكوارث الإنسانية التي حصلت في بدايات عهد التعاضد.

وفي الستينات من القرن الماضي عمل الوزير احمد بن صالح إلى تطبيق نظام تعاضدي في القطاع الفلاحي و في القطاع التجاري إلا أن التجربة ما لبثت أن باءت بالفشل .

عمليا  لم تدخل أي شركة أهلية مجال العمل والإنتاج في ولاية قفصة رغم الإعلان عن تأسيس شركات أهلية في الرديف وبرج العكارمة بالمضيلة وإشراف السلطة الجهوية والمركزية على انتخاب مجلس الإدارة 

أحمد عميدي شاب من مدينة الرديف أعلن سابقا عن تأسيس شركة خفية الاسم تعمل في مجال نقل المواد المنجمية ولم تبدأ بعد أشغالها ويستعد وزملائه في الرابع عشر من جانفي الجاري لعقد الجلسة التأسيسية   للشركة الأهلية التي اختاروا لها تسمية الشركة الأهلية لرسكلة النفايات المنزلية والمواد الصلبة وهي شركة جهوية قدّر رأس مالها ب20ألف دينار وحدد سعر السهم الواحد ب100دينار 

وفي مدينة آم العرائس أيضا تسعد مجموعة من المعطلين في الرابع عشر من جانفي  بدورها للإعلان عن تأسيس شركة أهلية في قطاع نقل المواد المنجمية .

يرى الناشط بالمجتمع والحقوقي طارق حلايمي إن المرسوم المتعلق بالشركات الأهلية جاء من قبل الرئيس قيس سعيد للتهرب من القانون الخاص بأصحاب الشهادات الذين طالت مدة بطالتهم والذي اقره برلمان 2019ورفضه رئيس الدولة ويضيف طارق حلايمي لكشف:

إن هذا المرسوم في ظاهره تأسيس شركات أهلية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة لكن في الحقيقة هي شركات وهمية يكتنفها غموض وصعوبات في ترجمة الأهداف المرسومة بوضوح على ارض الواقع .. ويرى طارق الحلايمي ” انه كان من الأجدى الاستفادة من تجربة واحة جمنة والاستئناس بها كشكل من أشكال الاقتصاد الاجتماعي التضامني والذي أمضاه قيس سعيد في 2020 ولم تصدر نصوصه الترتيبية.

مستشار وزير الشؤون الاجتماعية، راشد العبيدي يقول في تصريح لكشف “أن الذي يقول أن الشركات الأهلية واجهة للمنوال هو مجانب للصواب باعتبار أن الشركات الأهلية جاءت بإرادة من أهالي منطقة ما، لممارسة نشاط يستجيب لخصوصيات منطقتهم فمثلا هل إنشاء وحدة لتجميع الحليب بمنطقة أولاد جاب الله من معتمدية ملولش بين فلاحي المنطقة مناولة؟ هل بعث شركة للسياحة الايكولوجية بشط الزوارع من معتمدية نفزة هي شركة مناولة؟ هل أن بعض شباب الرديف الذي أسس شركة لثمين شوائب الفسفاط هي شركة مناولة؟ 

ويضيف راشد العبيدي “أن الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في الشركات الأهلية هي أن يكون النشاط الذي تمارسه مربحا و مشغلا و منتجا و محافظا على البيئة و نحن كهيكل مرافقة لهذه التجربة نحرص على توفر هذه الشروط خلال مناقشتنا لأفكار المشاريع مع المواطنين أصحاب المبادرات”.

وفي إجابة عن مدى تأثير تأسيس شركة أهلية في قطاع نقل المواد المنجمية على الشركة المملوكة للدولة وهي شركة نقل المواد المنجمية التي تأسست بعد 2011 كبديل لشركات المناولة في قطاع نقل المواد المنجمية يقول راشد العبيدي: 

الشركات الأهلية التي سيكون نشاطها نقل المواد المنجمية لن تكون منافسة لشركة نقل المواد المنجمية بل ستكون مكملة لها ذلك إن نشاط نقل المواد في الحوض المنجمي يستوعب كافة الشركات إضافة إلى النقل الحديدي.

في ولاية قفصة شركة في قطاع البيئة والبستنة ممولة من شركة الفسفاط مثلها مثل شركة نقل المواد المنجمية وكلاهما لم يقدرا على تثمين شوائب الفسفاط ولا نقل المواد المنجمية فهل سيكون بمقدور مثل هذه الشركات الأهلية النجاح  

ويبقى السؤال هل هذه الشركات ستكون رافدا للتنمية الجهوية وستنجح في خلق بديل تنموي أو أن هذه الشركات ستشكل إحدى اذرع البناء القاعدي الذي يبشر به الرئيس قيس سعيد