كشف


ردًّا على “تٌهمة” التمويل: “كشف” لا يخجلٌ من وجوه شٌركائه ولا خطّه التحريري

23/02/26

بقلم رئيسة التحرير

لم يكن هناك داع لصياغة هذا المقال، لأن الوقت الذي نستثمره في العمل وتطوير أنفسنا كصحفيين/ات، أثمنُ بكثير من الوقت الذي نهدره في الرد على ما يمكن أن يقال في ساحات المحاكم، أو بالأحرى في ساحات السحل الالكتروني، لكن هيئة التحرير ارتأت أن تروي القصة، أو على الأقل جزءً كبيرا منها إيمانا منها، ببراءتها مما نسب إليها من تهم التمويل المشبوه أو العمالة لأي دولة أجنبية، مهما كان نفوذ تلك الدولة، ضد مصلحة بلادنا العزيزة تونس.

“التهمة” خط تحريري!

ماهو خطكم التحريري؟ من تتبعون ؟ من يقودكم ؟ ماذا تريدون؟ والله أسئلة مشروعة وإن كان لديكم قليل من وازع التحري كان بإمكانكم زيارة الموقع، والاطلاع بوضوح على ثلاث فقرات تعرف خطنا التحريري.

وأما عمن امتهنت التشهير والثلب والشتم وهتك الأعراض على غرار ما فعلته مع رئيس جمعية القضاة التونسيين الذي اتهمته بالزواج العرفي، ونقيب الصحفيين التونسيين بحصول على أموال غير مشروعة وهو الذي لا يمتلك سيارة، وددنا أن أذكرها بأنها عندما كانت تصرخٌ بصوتها المزعج، قبل لحظة الانهيار الكبير، في إحدى “البلاتوهات” التي لا يشاهدها أحد، والتي تمتهنٌ بيع الطناجر والحقائب، كان موقع “كشف ميديا” من بين القلائل الذي يبثٌ ساعات من التغطية المباشرة التي لا تحصى ولا تعدّ من المظاهرات على قلة عددها والمشاركين فيها، و المنادية بحلّ البرلمان من نوفمبر 2020 وحتى لحظة 25 جويلية 2021 يوم الخداع الكبير، المسمى انقلابا تطابقاً مع لحظته السياسية وقتها، والملقب اليوم بالاستبداد تماشيا مع مظاهر القمع والظلم والتنكيل.

وقتما كانت المرسمة بجدول المحاماة، تمضي معظم ساعاتها في التجييش ونشر خطاب الكراهية، كصوت واحد لطرف واحد، لأجل هدف واحد، كناَ نحن ننقل،  كل الأصوات، منها الشعارات المناهضة لهشام المشيشي رئيس الحكومة الأسبق، ولرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وفي نفس الوقت كل الندوات الصحفية والأنشطة الرسمية لكل الحكومات منذ أن تأسس الموقع في فيفري 2020.

منذ بزوغ شمسه، وتبنى الموقع خطا تحريريا مستقلا، حيث نؤمن في “كشف ميديا” بالتعددية الفكرية والسياسية والثقافية واحترام الاختلاف وندعم الحريات الفردية والعامة. نسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحدّ من الإفلات من العقاب. كما نشجع على نشر ثقافة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وانتهاج طريق الشفافية والمساءلة.

هذه المبادىء لا تخجلنا بل بالعكس، نحن أشد الاعتزاز بها، ومصممون على المضي قدما بواسطتها كقنديل ينير الظلمة.

خطنا يرتفعٌ بنفسه عن كل التجاذبات السياسية، بمختلف أطرافها، بل أكثر من ذلك، لسوء حظنا كانت انطلاقتنا مع تسجيل أول حالة كوفيد في تونس، وكان امتحانا حقيقيا لمدى قدرتنا على تطبيق الأهداف التحريرية للموقع، كيف لنا ونحنٌ من خصصنا ركنين كاملين للصحة والبيئة، وتبنينا الصحافة المتخصصة في هذين المجالين، حيث نشر موقع كشف ميديا نشر خاصة قبل خمسة وعشرين جويلية وبعده، عشرات التحقيقات والتقارير عن سوء التصرف الحكومي في مجالات عديدة، وفضح التجاوزات الأمنية في حق المواطنين في العاصمة تونس، وكل الولايات تقريبا ظفرنا فيها بمراسل، و كان وجودنا بالقرب من الحدث يجابه بالتضييق البوليسي ككل فترة سياسية عرفتها تونس، وبهيجان جمهور بعض الأحزاب الحاكمة على غرار حركة النهضة.

عندما كانت المرسمة لم تتخيل في أبعد أحلامها ان شخصا من معارفها،  سيصبحٌ شيئا كريهاً، في جسم العدالة التونسية المغدورة، كنا ننحتٌ في الصخر، ونصلُ الليل بالنهار في الشوارع وفي المكاتب حتى ننقل كل الأصوات.

27 فيفري 2021 ، اليوم الذي استعرضت فيه حركة النهضة حجمها في الشارع، بعشرات الآلاف من المساندين يوم حصلت اعتداءات، على الصحفيين/ات من بضعة أنفار، تبنينا القضية وتحدثنا عنها  في وسائل إعلام تونسية ودولية، واعتذرت النهضة في أقل من ساعات، ورغم بيان نقابة الصحفيين، المساند لمنظوريها، وحالة الغضب في صفوفنا، لم يكن التضامن الصحفي بحجم الواقعة أمر شبيه بما يحدث اليوم مع الأصوات التي تريد أن تكون حرة،  رغم كل هذا ضد ماحدث، لم نمنع من دخول مقر الحركة ولا اي مقر حكومي في أوج ما كان الحكم بين يديها، لكن منعنا، من تغطية نشاط نجلاء بودن في القصبة مع الوزير الأول المصري بعد خمسة وعشرين جويلية.

لم نقاطع أي طرف حكومي قبل 25 جويلية وبعده ولم نحجب أي صوت معارض، ولعل مكتبة اليوتيوب والفيسبوك، أقصر طريق للتأكد، علاوة على ما نشر في موقعنا.

موقع “كشف ميديا” ذات الموقع وخطه التحريري قبل خمسة وعشرين جويلية 2021 وبعده، هو نفسه، بل ربما أصبح مستهدفا أكثر، لأنه من القلائل الذين مازالوا يؤمنون بدور الصحافة والإعلام في الدفاع عن الديمقراطية،  بمبادءها ومؤسساتها، وكل ماتحمله مفاهيمها من معاني ، عن حقوق الإنسان التي تمسُ بشكل مباشر الحياة اليومية للمواطن.

القائمون على الموقع، بشر ومن المؤكد خطاؤون، لكن مهنيا، أسمى ما يمكن أن يميزهم هو أنهم واعون بشكل عميق جدا بالمفهوم الحقيقي لمهنة الصحافة ودورها ونبل الرسالة ومشاقها، في عهد التضييق قبل حتى البراح…في عهد حصار الحريات، وأما وجوه شركائنا الذين يدعمون هذا الوجود وترسيخ هذا الدور، فلا نخفيها، ولم نخفها يوما

كَشف ميديا لا يخجل من وجوه شركائه!

نعم لا نخفي وجوه شركائنا، ومن يريدُ ان يتحرى قليلاً عنا، سيجد أن جل المشاريع التي أنجزناها معهم، نذيِّلُ الانتاجات بأسماهم، اي (بالشراكة مع منظمة كذا…) ولعل المتابعين الأوفياء لموقعنا منذ أيامه الأولى لديهم المعلومة بأن “كشف ميديا” هو مشروع تشرف عليه جمعية بنا للإعلام والتنمية، وهي جمعية معترف بها قانونيا، ومنشورة بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وبالسجل الوطني للمؤسسات، وصيغ قانونها الأساسي طبقا لمقتضيات المرسوم عدد 88 المتعلق بالجمعيات، ويحتوي قانونها على بند كامل به عبارة “لا تتلقى الجمعية أموالا في أي شكل من الاشكال من دول معادية لتونس او لا تربطها بها اي علاقة دبلوماسية”.

وأما عن التمويل، ومصادره، فهو معلوم لدى السلطات المختصة من رئاسة الحكومة مرورا للبنك المركزي، وصولا لبعض المصادر الأمنية، التي وصلنا منها قبل شهرين مرسال، “ياخولة نعلم عنكم كل شيء، وطبعا نعرف انكم تشتغلون في النور، لكن ريضوا”.

 بكل فخر واعتزاز، التمويل كان في البداية ذاتيا، ككل حلم جميل، من جيوب مجموعة من الصحفيين/ات الشباب على غرار الزميل أيمن طوهري، والعبدٌ لله، ومجموعة من الناشطين المدنيين في جهات مكثر وجندوبة المنخرطين في الجمعية.

كنا متطوعين في الجمعية، لا نتلقى أجرا ولا تغطية اجتماعية، ندفع فقط ثمن القطع للمراسلين من جيوبنا، ولم نكن موقعا اخباريا، بل ننشر تقارير شهرية او أسبوعية فقط، ونعوّلٌ على مداخيل شخصية كصحفيين مستقلين.

عن نفسي كنتٌ وقتها اشتغل كصحفية مستقلة مع موقع درج اللبناني ومنظمة أريج للصحافة الاستقصائية العربية،

ولعل تلك الفترة كانت الألمع في سيرتي المهنية بحصولي على عدة جوائز وطنية ودولية عن تخقيقات أنتجتها قبل 25 جويلية 2021.

والزميل ايمن طويهري كذلك كان ومازال مدربا في صحافة الموبايل ومنتجا للتحقيقات، وكل ما كنا نوفره، كنا نضعه في حساب الجمعية.

آمنا بالمشروع وكأنه الخلاص الأخير من إعلام الطناجر، وتبييض السياسيين والمجرمين، بلاتوهات هتك الأعراض والتجهيل ونشر الغباء والأمية. الخلاص من الانتظار من مؤسسات إعلامية عمومية لا تفتح باب المناظرات للصحفيين ولا تنتدب وفق مبدئي الكفاءة والشفافية.

لم نجد أي دعم لا حكومي ولا منظماتي، ولا حتى من المقربين، إلا عندما برز اسم الموقع كوسيلة إعلام جمعياتية بديلة. هناك حتى من سخر من المشروع، هل أنتم مجانين، هناك عشرات المواقع، ماذا ستقدمون بإضافي أو جديد؟ ماذا أصلا ستغيرون؟

ويال عجائب الأقدار، أن تغيب كبرى المواقع والمؤسسات الإعلامية في أهم الأحداث الوطنية ويحضر موقع كشف ميديا…أول مظاهرة ضد حكومة المشيشي نوفمبر 2021، بعد الاعتداء على الراعي في سليانة، كنا في الشارع، وقمعت بالغاز المسيل للدموع وتفريق المتظاهرين.

نعم كانت بدايتنا أصعب من أن تصدق، لكن الحمدلله أن هناك شهودا عليها، أصعبٌ من أن نتخيل أن ذلك الطريق الوعر، الموحش، سيؤدي بنا إلى مؤسسة إعلامية شابة يكبر فريقها التحريري، وتتسع رقعة جمهورها يوم بعد يوم ومساحة مصداقيتها، مصداقية أهلتنا لنيل ثقة المانحين، وايضا أسمائنا على الأقل كصحفيين شباب حائزين على جوائز وطنية ودولية من قبل حتى تأسيس الموقع.

فعلنا وغيرنا وتفاعلت حتى الجهات الرسمية والمدنية مع ما ننشر ومانقول، في تونس والجهات.

 بدأنا مطلع 2021 مع منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان/الشؤون الدولية كندا والتابعة للحكومة الكندية، ثم انجزنا شراكة مع منظمة المادة  19 لدعم حق النفاذ إلى المعلومة، (وفق إحصائيات هيئة النفاذ إلى المعلومة أكثر صحافية تقدمت بطلبات نفاذ ودعاوى ضد الحكومة منذ تأسيس الهيئة في 2016 هي العبد لله) وتليها المؤسسة العربية للحريات والمساواة، ثم منظمة CFI الفرنسية الحكومية، الوكالة الفرنسية للتنمية والإعلام، التي وفرت لنا فرصة لقاء مراسلينا في نزل بالعاصمة وتدريبه في عدة مجالات صحفية على غرار صحافة الموبايل والتحري من الأخبار الزائفة، ثم المعهد الفرنسي بتونس،  وهنا وجب التنويه بأن صحافيون من أجل حقوق الإنسان هي المنظمة التي ندين لها بالوفاء لدعمها، لنا طيلة سنتين، وعلى الرغم من تأسيسها مؤخرا لمكتب لها في تونس، تعتبر أن “كشف ميديا” هو شريكها الاستراتيجي في القارة الأفريقية.

كبر الموقع،هز وبدأت تظهر بصمته، حتى أبلغنا صديق من منظمة Free press unlimeted بأن منظمة Europen Development democracy التابعة للاتحاد الأوروبي، تقدم تمويلا للمؤسسات الشابة الداعمة للديمقراطية، ولا تتدخل البتة كسبيقاتها التي سميناها، في الخط التحريري او اي شيء من هذا القبيل.

لم يكن لنا خيار أمام هذا الامتحان سوى أن نخوضه وننجح فيه، نريدٌ، تمويلا يجعلنا ندفع أجورا كاملة وتغطيات اجتماعية لصحفيين بوقت كامل من أجل إنتاج مادة إعلامية إخبارية وتثقيفية تنشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، القيم التي تتطابق حرفيا مع خطنا التحريري. 

نشرات أخبار بروح حقوقية، اي حاملة للواء صحافة حقوق الإنسان تتسم بالموضوعية، بعيدة عن الجمود والتكلس التقليدي، والطاعة للسلطة.

المنظمة وصلتها عشرات الرسائل والتوصيات من المجال الإعلامي والحقوقي بأن القائمين على موقع كشف ميديا يستحقون “هذه الجائزة”، اي جائزة التمويل الذي سيتيح لهم اكمال مسيرته وتثبيت أقدامهم، كمؤسسة وسيسمح بالاستقرار ولو المؤقت لمدة سنة مع امكانية التجديد إن تحققت الأهداف..

تحصلنا على التمويل وأعلمنا به رئاسة الحكومة التونسية في عهد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد بعد 25 جويلية 2021، وبنينا أستديو صغير، منه يصلكم صوتنا وصورتنا اليوم، ودربنا صحفيينا على إنتاج نشرات إخبارية حقيقية يجد المواطن فيها صوته وصورته.

هذه باختصار قصتنا، وهذه مصادر تمويلنا، لو توقفت سنتوقف معها لأن لا مداخيل إشهار لنا ولا ممولين غير الذي ذكرناه، ولا أموال لنا تسمح بإعاشة الموظفين، إن توقف.

وأما عن قطر فهو بلد جميل ومضياف لم نتشرف بزيارته، كما لا تربطنا بقناته العملاقة علاقات مشبوهة، سوى اذا اعتبرتم أن لطفي وميساء وسيف وغيرهم من زملائنا العاملين في مكتبها المغلق  منذ 25 جويلية 2021 عملاء،