كشف


“أنيما” أو حين يُجهز الذكاء الاصطناعي على الروح الغربية/الجزء الثاني

23/04/25

ميشال أونفري(مجلة لوفيكارو، 31 مارس 2023)ترجمة يوسف اسحيردة/كاتب ومترجم الجزء الثانيصورة غلاف. AFP

المجلة: هل تعتقدون حقا أن النُخب الكاليفورنية والمُعولمة تسعى إلى اقتلاع الشعوب المتجذرة في أرضها، وتاريخها، وحضارتها، باسم الربح وحده؟

ميشال أونفري:

نعم بالتأكيد، إنه المشروع المُعلن لإيلون ماسك الذي تشتغل شركاته (نورالينك المُختصة في زرع الشرائح، وسبايس إيكس المختصة في غزو الفضاء، وتيسلا المختصة في الذكاء الاصطناعي) بشكل واضح على صناعة “إنسان جديد”. إنه أغنى رجل في العالم ومعه مُلاَّك الغافام الأثرياء الذين تظل أمامهم أقوى حكومات العالم بلا حول ولا قوة. ومن المُرجح أن الصين هي الأخرى تشتغل على الموضوع في جو من السرية التامة. نَوَدُّ أن نعرف ما إذا كان مختبر ووهان، الذي يبدو أن فيروس كوفيد قد تسرب منه، يدخل ضمن هذا البرنامج.

المجلة: بذريعة العلم، وتحت غطاء البحث عن الحداثة، التي من حيث التعريف لا يمكن أن تجلب سوى التقدم غير القابل للنقد أو حتى النقاش، تعتقدون إذا أن كاليفورنيا والصين، أو روسيا على صعيد آخر، يعملون إراديا على إعداد عالم يُشبه عالم هوكسلي أو أورويل؟

ميشال أونفري:

سبق وكتبت كتابا بعنوان “نظرية الديكتاتورية” حول رواية “1984” لجورج أورويل، وأوشكت على إنهاء آخر بعنوان “الفتيش والسلعة” حول رواية “عالم جديد شجاع” لهوكسلي. كما لو أن مُمثلي العدمية المُعاصرة، الذي يُقدمون أنفسهم كتقدميين، قد اِتخذوا من هذين العملين نموذجين لعالمهم الجديد الذي يطمح إلى دولة شاملة وحضارة شاملة تمتلك كل مظاهر فَاشِيَةٍ مُكتملة.

المفارقة تكمن في أن من يزعمون التقدمية والانتماء إلى اليسار يضعون كل حماستهم في خدمة نسخة جديدة للفاشية، وهم من أجل فعل ذلك، ينعتون بالفاشي كل من يُقاوم مشروعهم الشمولي.

المجلة: هل تعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يُمثل خطرا بالنسبة للإنسان؟

ميشال أونفري:

إنه الاستبدال العظيم الحقيقي! منذ عقود، حُكَّامُنَا الذين باعوا سيادة فرنسا إلى الدولة الامبريالية المنبثقة عن معاهدة ماستريخت (تملك عَلَمَهَا الخاص، وعُمْلتها الخاصة، وحدودها الخاصة، وبرلمانها الخاص…) قد عملوا أولا على إلغاء الذكاء أولد سكول لصالح كاتيشيسم حضاري اِستبدل العلم بمقالات إيمانية، والمعرفة بابتهالات أخلاقوية، والعقل النقدي ببغائية وَرِعَة.

بعد سنوات من تبجيل الأمر القطعي التقدمي المتمثل في “لِنجعل من الماضي صفحة بيضاء”، يُعيد هؤلاء، وعلى أنقاد الكتدرائيات والمدارس، بناء أسواق ممتازة حيث يُمكن للرأسمالية أن تتفرغ بالكامل للاشتغال على مشروعها الوحيد: تشييء الكل حتى يتسنى لها كراء، وبيع، ومقايضة، وتَنَاقُدِ كل شيء، الجسد، والقلب، والروح التي أصبحت في نظرها مجرد أشياء.

على واجهة المحلات التقدمية يُمكن أن نقرأ: “رحم للكراء”، “طفل للبيع”، “أعضاء للتنازل”، “حيوان منوي للبيع”. لكن أيضا “ذكاءات للتأجير”. هذا الذكاء الاصطناعي، الطباق المستخدم في العبارة رائع بالمناسبة، أُعِدَّ حتى يستجيب لهذا العالم الذي تحظى فيه الرأسمالية بدعم قوي من لدن اليساريين والتقدميين من أجل تحقيق النصر النهائي.

المجلة: باعتباركم فيلسوفا وكاتبا، هل تخشون شات جي بي تي، هذه الأداة التي لا يمكن سوى أن تقضي في نهاية المطاف على المهن ذات القيمة المعرفية القوية؟

ميشال أونفري:

إنه في الواقع الاسم الذي اتخذه ما سيحل من الآن فصاعدا مكان الذكاء والذي ليس سوى جهاز الطاعة، والخضوع، والإذعان. شات جي بي تي هو دماغ الببغاء الذي سيتم زرعه في الإنسان: أوج النزعة التقدمية الغربية! عديدة هي المهن التي سوف تختفي. ستبقى مهنة الفيلسوف، رغم أن البعض اليوم قد اختار مسبقا دماغ الببغاء…

المجلة: نعرف أنكم، على خلاف ميشال ويلبيك الذي يُعارض بشراسة الانتحار بمساعدة الغير، تقبلون بمبدئه عندما يكون الإنسان مصابا بمرض عُضال أو مؤلم. هل غيرتم رأيكم حول هذه النقطة؟

ميشال أونفري:

نهائيا. لا يتعلق الأمر بمع أو ضد الموت الرحيم ولكن بمع الموت الرحيم داخل المستشفيات بمساعدة طبيب صديق مؤيد له، أو مع الموت الرحيم الذي يأطره القانون. كان ذلك حال قانون فايل الذي وضع تشريعات من أجل تجنب حالات الإجهاض داخل العيادات السويسرية بالنسبة للأغنياء، وإبر الحياكة بالنسبة للفقراء.

المجلة: نلاحظ في السنوات الأخيرة أنكم باشرتم تقاربا مع الكاثوليكية. في حين، عند قراءة كتابكم الأخير، نلحظ أن إلحادكم تعزز بشكل قوي. أين أنتم بالضبط اليوم فيما يخص المسألة الدينية؟

ميشال أونفري:

كُنت، ومازلت، وسأظل مُلحدا كما كُنت، ومازلت، وسأظل يساريا. لكن الشكل الحضاري يسمح اليوم بجبهات مشتركة. باعتباري مُلحدا فأنا أُفضل كاثوليكيا يُدافع عن فن أن يكون المرء فرنسيا على ملحد يدين بالإسلاموية – اليساروية، ويُناصر الاستبدال العظيم الذي يُسيمه كريولية (créolisation). اليساري الذي أُمثله يُفضل يمينيا يدافع عن نفس ذلك الفن، الذي أفردت له كتابا، على يساريٍّ يكره فرنسا، وتاريخها، وشعبها – أقول شعبها، وليس أقساما من الشعب، الأقليات الشهيرة، التي يتم تقديمها على أنها الكل الحقيقي. الأمر الذي يُخول …جبهات شعبية!

المجلة: لنعد إلى فرنسا والفرنسيين. كيف تفسرون الوضع الذي نعيشه حاليا في بلدنا، حيث نشاهد نخبا تفرض على الشعب الذي انتخبها إصلاحات هو لا يُريدها؟


ميشال أنفري:

1983: نحن ندفع ثمن تراكم تخلي فرنسوا متيران عن اليسار واصطفافه إلى جانب الجيسكارية، بما في ذلك النزعة الأوربية، ما قضى على كل أمل سياسي تغييري أو بديلٍ عن قانون السوق.
1992: التنازل عن السيادة الوطنية مع معاهدو ماستريخت، ومن ثم استحالة ممارسة سياسة يُقررها الشعب في الإطار الوطني.
2008: معاهدة لشبونة، أي تصويت ممثلي الشعب، نُوابا وشيوخا، ضد الشعب الذي رفض مُسبقا من خلال الاستفتاء معاهدة تأسيس الدستورالأوربي سنة 2005.
2017 و2022: انتخاب مزدوج لماركون بفضل دعاية أوربية تقرن ترشحه بمحاربة فاشية اِتضح أن ما تحاربه غير موجود.
2018: قمع الشرطة لمطالب “السترات الصفراء”.
2023: وحشية رئيس دولة يحتقر كل من لا يُشاركه نفس التفكير ويحكم كمستبد من خلال المادة 49-3، ضد ورغم أنف التمثيلية الوطنية.

ما يحصل اليوم ليس سوى ثمرة جريمة قتل الشعب هذه، التي تستمر منذ أربعين عاما.

المجلة: بعد حلقة “السترات الصفراء”، التي تبعها العصيان الجاري حاليا ضد إصلاح التقاعد، كيف تتصورون نهاية هذه الجزء من تاريخنا الذي يُشبه كثيرا مرحلة ما قبل ثورية: هل يمكن أن تستهوي الشعب، كما حدث في الماضي، فكرة التخلص من النخب أم أن هذه الأخيرة ستحاول، ليس تغيير الشعب، وإنما استبداله؟

ميشال أونفري:

ليس بوسعي التنبؤ بأي شيء، لكن التاريخ يُعلمنا أن احتقار أي شعب لا يمكن أن ينجم عنه سوى تمرده ذات يوم دون أن يُبالي بوسائل تمرده. حرمان شخص أو شعب من كرامته، معناه تحويله إلى حشد غاضب يُحقق انتقامه يوما ما. البارود مبعثر منذ سنوات، وشرارة واحدة تكفي لإشعاله. ورئيس الجمهورية يُحب اللعب بعيدان الثقاب. “الويل لبد ملكه طفل”، جاء في سفر الجامعة.