كشف حكومي


112 يوماً من النشاط الرئاسي.. هوّة سحيقة بين ما يريدهُ سعيّد وما تحتاجه تونس/تحقيق

23/06/27

2019 ته في مرحلة ثانية بعد تاريخ 25 juillet 2021 حلة في البلاد، على غرار النقص الحاد في الموارد المائية نتيجة موجة الجفاف غ ير المعتادة التي شهدتها تونس ووجود مخاطر انخفاض المحاصيل الزراعية وانعكاسات ذلك على الأمن الغذائي والمائي، علاوة على فقدان عدد من المواد ال أساسية كالحليب و الدقيق والأرز والسكر والزيت وغيرها من المواد الأساسية ف ي الأسواق والمساحات التجارية الكبرى، وارتفاع نسبة تضخم لم يسبق لتونس تسجيلها منذ ثلاثين عاما.

كما عرفت البلاد موجة من الإحتجاجات تطالب بتوفير الشغل و بتسوية الوضعيات المهنية و للمطالبة بالحرية و الديمقراطية. 

قمنا بتتبّع خطوات الرئيس، وأنشطته، عبر رصدها وتحليلها وجمع معلوماتها وتدقيقها وتفسيرها، ومطابقة مضامينها مع ما يحدث على الأرض و تطلعات المواطنين ومطالبهم الملحة من ناحية وتقييم نتائجها وآثارها من ناحية أخرى، وذلك من خلال المضامين المنشورة على الصفحة الرسمية للرئاسة عبر الفيسبوك، قناة الاتصال الوحيدة، في ظل رفض الرئيس المقابلات والمؤتمرات الصحفية.

. كما قمنا في هذا التحقيق بالاعتماد على مصادر البيانات المفتوحة، وغيرها من المصادر المسجلة بأسمائها.

يثبت هذا التحقيق اختلالا واضحا في نشاطات رئيس الدولة ولقاءاته مع مختلف الوزارات و الفعاليات، كما يبرز تضخم بعض الأزمات التي تسبب فيها قيس سعيد نفسه لتونس، كما يعري نيات النظام في الحكم وأولوياته الحارقة،  أمام ما يطالب به المواطنون فعليا وتحتاجه تونس على مستويات اقتصادية واجتماعية وسياسية. 

نشاطات الرئيس تتعارض مع مجرى الأحداث الحارقة في البلاد

خلال مدة امتدت لـ أربعة أشهر من 1-12-2022 إلى 22 -03-2023 وهي مدّة الرصد التي تابعناها في كشف ميديا ​​وقع رصد عدد من اللقاءات و الزيارات التى قام بها رئيس الج النشاطات الرئاسية قد اقترنت بـأحداث شهدتها البلاد حيث حاولنا مدى انسجام وتوافق بعض نشاطات رئيس الجمهورية التي اقترنت بها في ذات التاريخ مع أحداث كبيرة شهدتها تونس فكانت كما يلي :

  • ديسمبر وجانفي… عهد متجدد مع الاحتجاجات المو ءودة باللامبالاة

من أبرز النشاطات الرئاسية التى تزامنت معها أحداث بارزة في تلك الفترة ولم تحظ بمتابعة رئاسية من بينها ما حدث في 7 ديسمبر 2022 حيث شارك رئيس الجمهورية  في موكب أداء اليمين من قبل أعضاء اللجنة الوطنية للصلح الجزائي كما أدى زيارة إلى ثكنة الحرس الوطني بالعوينة إضافة إلى لقاء أجراه مع سفير جمهورية الصين الشعبية 

وقد تزامنت هذه الأنشطة مع إعلان أصحاب المخابز عن الدخول في إضراب مفتوح و

 في اليوم 23 من شهر ديسمبر 2022 إلتقى رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي كما إلتقى بكل من وزيرة العدل ليلى جفال و وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين في ذات التاريخ شهدت تونس وقفة إحتجاجية نظمتها حركة النهضة للمطالبة بإطلاق سراح رئيس الحكومة الأسبق و نائب رئيس حركة النهضة على العريّض، بعد 4 أيام من صدور قرار قضائي بسجنه.

في 2 جانفي 2023 اجتمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد بكل من رئيسة الحكومة نجلاء بودن و رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المنصف الكشو و رئيس الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة سمير ماجول 

هذه اللقاءات تزامنت مع إضراب عام لحركة النقل بتونس بتنفيذ من نقابة شركة النقل بتونس للمطالبة بتحسين أوضاعهم المالية

أما في 4 جانفي 2023 فقد إلتقى الرئيس قيس سعيّد كل من رئيسة الحكومة نجلاء بودن  ووزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين و مدير الأمن الوطني مراد سعيدان في ذات اليوم الذي نفذ فيه عدد من الأساتذة النواب في مختلف الجهات وقفة إحتجاجية.

وفي 5 جانفي 2023 جمع لقاء رئيس الجمهورية بوزير الصحة علي مرابط و تزامن هذا اللقاء مع وقفة احتجاجية نفذها عدد من المحامين بمختلف ولايات الجمهورية رفضا لقانون المالية لسنة 2023

كما أدى قيس سعيد بتاريخ 11 جانفي 2023 زيارة إلى منطقتي باب منارة و باب جديد وبالتزامن مع هذه الزيارة نفّذت الجامعة العامة للمتقاعدين وقفة إحتجاجية بدعوة للمطالبة بصرف المستحقات المتخلدة لدى الصناديق الاجتماعية

وفي 16 جانفي 2023 شارك سعيد في جلسة عمل بحضور رئيسة الحكومة ووزيرة المالية و محافظ البنك المركزي تزامنت مع وقفة احتجاجية أمام مندوبية الشباب والرياضة

كما إلتقى سعيّد يوم  26 جانفي 2023 وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين في الوقت الذي دخل فيه مجموعة من الأساتذة الجامعيون سلسلةً من التحركات الاجتماعية على خلفية  “سياسة التهميش التي تنتهجها الوزارة “

أما في  31 جانفي 2023 فقد شارك رئيس الجمهورية في موكب أداء اليمين لوزير التربية ووزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إضافة إلى زيارة أداها إلى ثكنة العوينة  في الوقت الذي احتلت فيه تونس  المرتبة 85 ضمن مؤشر مدركات الفساد وتتراجعت بأربع نقاط مقارنة بالسنة الماضية. كما تمّ في بذات التاريخ إيقاف الكاتب العام للنقابة الخصوصية للطرقات السيارة، أنيس الكعبي

  • فيفري ..شهر الاعتقالات وضرب الحريات

في هذا الشهر سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال شهر فيفري 423 تحركا احتجاجيا وقد احتلت ولاية تونس المرتبة الأولى من حيث الولايات الأكثر غضبا واحتجاجا طيلة شهر فيفري إذ سجلت 27 بالمائة من مجموع الاحتجاجات المرصودة (116 تحركا احتجاجيا) وهنا يمكن الاشارة إلى التحركات السياسية والحقوقية ايضا للأحزاب والمنظمات للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين والتنديد بخطاب الكراهية والتي تركزت أغلبها في العاصمة.

بتاريخ 16 فيفري 2023 إلتقى رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيسة الحكومة نجلاء بودن بالتزامن مع تنفيذ يوم غضب وطني من قبل الصحفيين التونسيين دفاعا عن المهنة

كما كان لرئيس الجمهورية قيس سعيّد 4 لقاءات بتاريخ 20 من فيفري 2023 جمعته بكل من مساعد وزير الخارجية القطري للشؤون الإقليمية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي ولقاء آخر بوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمّار، ثم كان له لقاء  ثالث مع رئيسة الحكومة  نجلاء بودن رمضان، أما اللقاء الرابع فجمعة، بوزير الداخلية، توفيق شرف الدين والمدير العام للأمن الوطني مراد سعيدان. 

وقد تزامنت تلك اللقاءات مع قرار وزارة الصحة منع وفد من هيئة الدفاع عن الم عتقلين السياسيين المعارضين من زيارة القاضي الموقوف البشير العكرمي لأسباب طبية وفق تعبيرها. كما تمّ في نفس اليوم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق نور الدين بوطار، بتهمة تبييض الأموال 

كما زار رئيس الجمهورية الفضاء المخصص لمركز التكوين المهني بجبل الجلود والشركة التونسية للصناعات الصيدلية ببن عروس بالتزامن مع إيقاف الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، والناشط السياسي وليد الجلاد، بالإضافة إلى صدور موقف خطير من قبل المفوض السامي للاتحاد الأوروبي، “جوزيب بوريل”، يعبّر عن “انشغاله” إزاء التطورات الأخيرة في تونس، مؤكدا على ضرورة عمل مختلف القوى السياسية والمدنية معا من أجل مشروع مشترك ومتكامل للبلاد. أما مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، هبة مرايف، فقد اعتبرت في بيان أن إيقاف الأشخاص بناء على ادعاءات غامضة بالتآمر يتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية، وتصف حملة الإيقافات ب”المحاولة المتعمّدة لسحق الانتقادات”.

أما في 23 من فيفري 2023 فقد كان هناك لقاء لسعيد مع وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين،وفي نفس اليوم وقع  الإعلان عن إيقاف الناشط السياسي عزالدين الحزقي، عضو جبهة الخلاص الوطني المعارضة ، بعد أن تم تفتيش منزله ومنزل ابنه جوهر بن مبارك، واقتياد الوالد إلى مقر فرقة مكافحة الإرهاب ببوشوشة لتحرير محضر قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقا .

وفي 24 فيفري 2023  إلتقى رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير الفلاحة والموارد المائية  ووزير الصحة ورئيس منظمة الأعراف كما حضرسعيّد في نفس اليوم موكب أداء اليمين لكاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية و الهجرة والتونسيين بالخارج  بالتزامن مع إيقاف، الناشط السياسي والحقوقي، جوهر بن مبارك. 

  • مارس..شهر ترقيع العنصرية وبطاقات الإيداع

في غرة مارس 2023 لقاء جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية ثم لقاء آخر جمعه بوزيرة الشؤون الثقافية، وثالث مع  وزيرة العدل في المقابل وقع إصدار بطاقة إيداع بالسجن في ذلك اليوم بحق القيادي بحركة النهضة، سيد الفرجاني، بشبهة تتعلق بقضية شركة “انستالينغو” كما أعلنت النقابة الخصوصية لأعوان السكك الحديدية، في ذات التاريخ تنفيذها إضراب عام قطاعي عن العمل،يومي 1 و2 مارس كما تمّ  الإعلان عن تسجيل اضطراب وانقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب  في عدد من أحياء تونس الكبرى 

أما يوم 8 مارس 2023 فقد إلتقى رئيس الجمهورية قيس سعيّد بقصر قرطاج برئيس جمهورية غينيا بيساو عمر سيسوكو امبالو، في ذات اليوم الذي وقع فيه حل المجالس البلدية المنتخبة و اصدار 3 بطاقات ايداع بالسجن في حق وزير الفلاحة الأسبق، محمد بن سالم، عقيد بالديوانة  والنائب السابق عن حركة النهضة أحمد العماري. 

كما شهد ذات اليوم وقفة احتجاجية أمام سجن النساء بمنوبة للتضامن مع الناشطة السياسية، شيماء عيسى، والمطالبة بإطلاق سراحها. كما يتزامن هذا اليوم مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة حيث يعيش جزء كبير من نساء تونس ظروفا قاسية خاصة بالنسبة للنساء العاملات ومشاغل المرأة الريفية وارتفاع نسب تعنيف وقتل النساء.

في 10 مارس 2023  سعيد  التقي مفوضة الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية بالإتحاد الإفريقي وفي نفس اليوم  قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب يصدر بطاقتي إيداع بالسجن في حق الحبيب اللوز،و وكيل الجمهورية الأسبق بابتدائية تونس، البشير العكرمي،

أما يوم 15 مارس 2023 فقد اجتمع رئيس الجمهورية مع وزير الداخلية  الأسبق توفيق شرف الدين، في نفس اليوم الذي تمّ فيه  الاعلان عن انخفاض احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 22.041 مليون دينار أي ما يعادل 95 يوم توريد، مقارنة بنفس اليوم من سنة 2022 عندما بلغ مخزون العملة الأجنبية 127 يوم توريد،ر وإيقاف عبد الفتاح التاغوتي مسؤول عن بحركة النهضة 

وفي 16 من مارس 2023 التقى رئيس الجمهورية قيس سعيّد مع وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي، ثم قام بزيارتين  أحدهما أداها سعيّد إلى مقر اللجنة الوطنية للصلح الجزائي. وأخرى إلى مقر المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية أين أثار خلافا حدوديا قديما مع ليبيا. بالتزامن مع ذلك أعلنت منظمات حقوقية و أحزاب سياسية (أنا يقظ و حركة النهضة) كافّة الأعمال البرلمانيّة غير تشريعيّة، مؤكّدة وجود تعتيم إعلامي لمداولاته 

وفي 20 مارس 2023 أدى رئيس الجمهورية زيارة إلى ولاية القيروان بمناسبة عيد الإستقلال وفي نفس اليوم الذي شهد خروج مظاهرات كبيرة في شارع الحبيب بورقيبة توزّعت بين معارض للرئيس ومطالب بتنحيه وبين وداعم له ومطالب بمواصلة طريقه. أيضا تزامن تاريخ 20 مارس مع تصريح خطير عن تونس من قبل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي المكلف بالشؤون الخارجية وسياسة الأمن، جوزيف بوريل، يقول فيه “إذا ما انهارت تونس، اقتصاديا أو اجتماعيا، فهذا يعني أن الإتحاد الأوروبي سيجد نفسه في مواجهة أفواج جديدة من المهاجرين وهو ما يجب تجنبه”، وإنّ الوضع “خطير للغاية”، ويفيد بأنه سيوفد عضوين من مجلس الشؤون الخارجية، للسفر فورا إلى تونس، لتقييم الوضع وإعداد تقرير في الغرض، لتحديد الخطوات المقبلة في قادم الأيام.

 أولويات الرئيس خلال 4 أشهر واختلال التوازنات

 لا يكاد يمر يوم دون أن تبث الرئاسة مقطع فيديو يظهر فيه سعيد يتحدث في أحد المواضيع مع شخصيات رسمية محلية أو أجنبية أو يقوم بنشاط رئاسي ما، عشرات المقاطع المصورة التي بلغ عددها 112 فيديو نشر في صفحة الرئاسة خلال ما يقارب من الأربعة أشهر. 

  • نجلاء بودن الأكثرٌ حضورا والأقلٌ كلاما

أغلب فيديوهات قيس سعيد كان رفقة رئيسة الحكومة نجلاء بودن مع نفس الوصف المرافق للفيديو:“لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد مع السيّدة نجلاء بودن رمضان، رئيسة الحكومة” 

مقاطع فيديو أغلبها صامتة لا تتجاوز الدقيقة ترافقها موسيقى الرئاسة مع إبراز استقبال سعيد لبودن و الجلوس على نفس الطاولة، مشهد تكرر 22 مرة خلال 4 أشهر،  لكنه قد يتغير في بعض الأحيان حيث يلقي سعيد خطابات متوجها إلى عموم الناس أو رئيسة الحكومة التي تجلس أمامه، لكن الثابت في كل الفيديوهات هو صمت نجلاء بودن التي لا يُسمع صوتها تقريبا في كل الفيديوهات المنشورة. 

  • الأمن والقضاء مساحات السلطة المفضّلة لدى سعيّد

من جهة أخرى، عقد الرئيس سعيد اجتماعات مع عدد من الوزراء بصفة متواصلة أبرزهم كان وزير الداخلية الأسبق، توفيق شرف الدين قبل مغادرته للوزارة، الذي ظهر في 15 مرة في فيديوهات الرئاسة خلال نفس الفترة ، لكن دون مشاركة الرئيس في خُطبه أيضا. 

مع مشاركة مدير العام الأمن الوطني في 3 مناسبات مرافقا لشرف الدين. 

وزيرة العدل ليلى جفال أيضا كان لها نصيب من محتوى صفحة الرئاسة التي ظهرت فيها و ذكر فيها إسمها في 8 مرات خلال هذه الفترة، إما وحيدة في لقاء شخصي مع سعيد أو رفقة وزراء آخرين. 

وبذلك تكون وزارة الداخلية و العدل لهما النصيب الأكبر من الحضور في صفحة الرئاسة خصوصا في الفترة التي تزامنت مع حملة الإيقافات التي طالت عددا من الشخصيات السياسية في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، حيث خاطب سعيد الشعب و حدثهم عن مؤامرات تحاك ضد الوطن من طرف من أسماهم “متآمرين مع الخارج” “مجرمين” و غيرها من النعوت التي كان يستعملها سعيد و تبثها الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية. 

كما كان لسعيّد لقاءات في إطار متابعته لملف القضاء بالمنصف الكشو رئيس المجلس الأعلى المؤقت في 3 مناسبات في فيديوهات قصيرة رافقتها فيما بعد بيانات مكتوبة احتوت جميعها على عبارة المطالبة بالمحاسبة، و ضرورة تطبيق القانون من طرف القضاة.

وزير الدفاع كان له حضور أيضا في مناسبتين من أنشطة الرئيس المعلنة في مقاطع الفيديو، لكنه كان مرفوقا بوزير الداخلية آنذاك توفيق شرف الدين و قيادات أمنية وعسكرية أخرى. 

من بين الأنشطة أيضا التي كانت تُبث في هذه الفترة هي تنقلات الرئيس إلى ثكنة الحرس الوطني بالعوينة في مناسبتين، أبرزها كانت زيارة 31 ديسمبر 2022 التي اعتمد فيها سعيد على عبارة ” نخوض حرب تحرير وطنية” خلال لقائه بالقيادات الأمنية إضافة إلى قراره بإعفاء المدير العام لحرس الحدود وعدد من الإطارات العاملة بجرجيس إثر الزيارة.

لجنة الصلح الجزائي بدورها لم تغب عن دفتر أعمال الرئيس، حيث حضر هذا الملف في 5 مناسبات من بين أنشطة سعيد الذي زار مقرها  3 مرات، و أشرف على موكب أداء اليمين لأعضائها يوم 7 ديسمبر 2022 فيما استقبل رئيسها مكرم بن منى ( الذي تم عزله فيما بعد) في مناسبة واحدة بتاريخ 22 ديسمبر 2022. 

من ناحية أخرى عرفت تونس هذا الشتاء حالة من الجفاف التي وصفها خبراء بأنها خطيرة ومقلقة و تهدد الأمن الغذائي لتونس ، لكنها كانت غائبة تماما ،حسب ما رصدناه من أنشطة الرئاسة، عن طاولة حوار سعيد و وزرائه في غياب أي سياسة واضحة لمقاومة هذا الجفاف و الخطر الذي يهدد الشعب التونسي، فيما أخذت لقاءات سعيد و زياراته لوزارة الداخلية نصيب الأسد من أنشطته وجعلته يغفل واحدةً من القضايا الأساسية للشعب التونسي في زحام عشرات اللقاءات و الخطابات و الزيارات للرئيس التي تناولت “قضايا التآمر على البلاد من طرف غرف مظلمة و أطراف أجنبية”، ولم يجد الرئيس قيس سعيد أي سبب يدفعه خلال 4 أشهر لجعل هذا الموضوع و الإشكال على قائمة أعماله. 

تلك الفترة أيضاً عرفت عددا من الأزمات و الاحتجاجات ضد قرارات سعيد قادتها عموما جبهة الخلاص الوطني المعارضة في مسيرات ووقفات احتجاجية متتالية انتقدت من خلالها السلطة في تسييرها لشؤون البلاد متهمة إياها بفرض نظام ديكتاتوري يضيق الخناق على المعارضين والناشطين السياسيين. 

كما عرف تاريخ الخامس عشر من ديسمبر قرارا للبرلمان الأوروبي يقضي بعدم إرسال ملاحظين لتونس، بمناسبة الانتخابات التشريعية وعدم التعليق على مسارها ولا على نتائجها، قائلا إن مجموعة دعم الديمقراطية وتنسيق الانتخابات، التابعة له، “تابعت التطورات الاقتصادية والاجتماعية في تونس وقرار المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ورأي لجنة البندقية، وهو ما يعتبر نكسة ديبلوماسية في علاقة بصورة تونس الديمقراطية. 

كذلك الأمر بالنسبة لقطاع التعليم الذي شهد أزمات متتالية منذ انطلاق السنة الدراسية في سبتمبر الماضي و مقاطعة للامتحانات وعزوف الأساتذة عن مدّ إدارات المعاهد بالأعداد  ينضاف إليها تحركات احتجاجية للأساتذة والمعلمين النواب الذين طالبوا بتسوية وضعيتهم المهنية إضافة إلى عدد من المطالب الأخرى ، إلا أنها لم تكن من أولويات الرئيس ولا ضمن جدول أعماله 

أزمات وصعوبات لم تتوقف و تواصلت لأشهر دون الوصول إلى حلول جذرية من السلطة لتدارك أزمة اقتصادية تعاني منها تونس اليوم ، قابلتها أنشطة رئاسية ركزت أساسا على الجانب الأمني و القضائي. 

هذا إضافة إلى حالة العزوف التي عرفتها الانتخابات التشريعية بتاريخ 17 ديسمبر 2022 و التي لم تتجاوز عتبة 8,8٪.

 تردي الوضع الاقتصادي على هامش اهتمامات الرئيس حيث لم تتجاوز لقاءات سعيّد مع وزراء التجارة و الفلاحة، 8 لقاءات فقط موزّعة على 4 أشهر. تناولت أساسا موضوع تزويد السوق بالسلع الأساسية من مواد إستهلاكية و خضر و غلال إضافة إلى التحكم في الأسعار في إطار خطابات سعيد التي يتحدث فيها عن مصطلح “الأمن الغذائي” و الحرب ضد “مسالك التجويع” حسب تعبيره.

سمير سعيد وزير الاقتصاد و التخطيط كان له لقاء واحد برئيس الجمهورية يوم 2 ديسمبر 2022 و ظهر صامتا في فيديو مدته 5 دقائق تحدث فيها الرئيس عن التقاسم العادل للثروات و غاب فيما بعد عن بقية الأنشطة في تلك الفترة الزمنية. 

لقاءات سعيّد مع وزراء التجارة و الفلاحة، 8 لقاءات فقط موزّعة على 4 أشهر. تناولت أساسا موضوع تزويد السوق بالسلع الأساسية من مواد إستهلاكية و خضر و غلال إضافة إلى التحكم في الأسعار في إطار خطابات سعيد التي يتحدث فيها عن مصطلح “الأمن الغذائي” و الحرب ضد “مسالك التجويع” حسب تعبيره.

سمير سعيد وزير الاقتصاد و التخطيط كان له لقاء واحد برئيس الجمهورية يوم 2 ديسمبر 2022 و ظهر صامتا في فيديو مدته 5 دقائق تحدث فيها الرئيس عن التقاسم العادل للثروات و غاب فيما بعد عن بقية الأنشطة في تلك الفترة الزمنية. 

 نتائح اهتمامات سعيّد توشي بغياب استراتيجية للإصلاحات وإحكام القبضة على الحريات

  • الزيارات الميدانية لم تحقق شيئا

قام رئيس الجمهورية قيس سعيد ب 15 زيارة إلى أماكن مختلفة، من بينها إلى عدد من المؤسسات مثل شركة دليس لتصنيع الحليب و شركة تصنيع الادوية ببن عروس ،  وزيارة مقر جريدة سنيب لابراس ، و مقر الشركة التونسية للأنشطة البترولية 

كما أدى رئيس الدولة إلى معتمدية غار الدماء بولاية جندوبة لمتابعة ملف إنجاز المستشفى الجهوي بالمنطقة، و إلى مقرّ وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بتونس العاصمة – الصلح الجزائي

إضافة إلى خروجه في جولات في شوارع العاصمة، كان آخرها زيارة مقهى شعبي بمنطقة باب سويقة ليتوارى بعدا الرئيس عن الأنظار لأيام عديدة. 

زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد لمقر شركة الأنشطة البترولية رافقتها تصريحاته المثيرة للجدل حول الجرف القاري و الحق التونسي في هذه الآبار النفطية ، تصريح لم يغير شيئا ، حيث أكد مختصون عدم قدرة تونس على الإستفادة من هذه الآبار و أحقية الطرف الليبي بها وفق المواثيق و القرارات الدولية ، كما أن تونس لم تقم بأي تحرك بعد التصريح و لم تعد الرئاسة للحديث عن هذا الموضوع. 

زيارة شركة تصنيع الأدوية ببن عروس لم تغير في الأمر شيئا حيث أن تقارير أفادت بتواصل إنقطاع الدواء و غيابه في السوق التونسية ن على غرار تقرير لوكالة رويترز مطلع جوان الجاري قال فيه رئيس نقابة الصيدليات التونسية نوفل عميرة إن مئات الأدوية لم تعد متوفرة بما في ذلك أدوية السكري والتخدير وعلاج السرطان، متحدثا عن تفاقم ديون الصيدلية المركزية مع المنتجين الأجانب و تخلف الدولة عن خلاص المستحقات. 

و هو ما أكده رئيس نقابة الصيدليات الخاصة نوفل عميرة، في تصريح لكشف ميديا بتاريخ 6 أفريل 2023  متحدثا عن  300 دواء مفقود و بلوغ ديون الصيدلية المركزية 800 مليون دينار.

سعيد كان قد زار مؤسسة سنيب لابراس في 11 مارس 2023 ، واعدا الصحفيين و العملة بتسوية وضعيتهم بعد المشاكل التي عرفتها المؤسسة، تلك الزيارة تلتها جلسة في قصر الحكومة بالقصبة للنظر في أبرز الملفات يوم 4 أفريل 2023 إلا أنها لم تكن كفيلة بفض الإشكالات و نفذت نقابة سنيب لابراس يوم 10 ماي إضرابا عن العمل. 

كما أن زيارات سعيد لعدد من المناطق لم تحمل معها مشاريع أو تطورات، خاصة زيارته إلى ولاية القيروان التي رافقتها احتجاجات من قبل الأهالي على الوالي و المطالبة بإقالته، لكنها مطالب لم تلق تجاوبا من رئاسة الجمهورية. 

  • أرقام اقتصادية مفزعة

شهدت نسبة التضخم ارتفاعا في شهر نوفمبر 2022 لتصل إلى مستوى 9،8 بالمائة بعد أن كانت 9،2 بالمائة خلال شهر أكتوبر 2022، وفق معطيات المعهد الوطني للإحصاء  التي نشرت في ديسمبر. 

إضافة إلى أنه و بتاريخ 14 ديسمبر 2022، قام صندوق النقد الدولي بتحيين رزنامة اجتماعات مجلس إدارته بعدم إدراج ملف تونس، والذي كان مقررا تدارسه يوم 19 ديسمبر 2022، للمصادقة على تسهيل الصندوق الممدد لفائدة تونس.

كما تعمق العجز التجاري لتونس في تلك الفترة إلى 23،281 مليار دينار خلال الأشهر 11 الأولى من سنة 2022 مقابل عجز بقيمة 14،653 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من سنة 2021 أي بارتفاع ناهز 58،8 بالمائة. 

إنما نسب التضخم الٱخذة في الإرتفاع و تدهور المقدر ة الشرائية و نقص السلع و انعدامها أحيانا من السوق المحلية و نسب البطالة التي لازالت تعرف ارتفاعا ، إضافة إلى مشاكل اجتماعية أخرى و قضايا شائكة لم تحل و يمكن القول إنها لم توضع على طاولة قرطاج ، كلها أمور تطرح تساؤلات عديدة في علاقة بتعاطي السلطة مع مشاغل الشعب و ترتيبها على قائمة اهتمامات قيس سعيد و نجلاء بودن و كل المشرفين على تسيير البلاد. 

حيث أن التعمّق في أنشطة الرئاسة يجعلنا أمام فرضية إعتماد المقاربة الأمنية لكل القضايا المطروحة مثلما حصل في ملف نقص المواد الاستهلاكية من الأسواق ، حيث أن السلطة تتبنى فكرة واحدة هي سعي بعض الأطراف لخلق اضطرابات في التزود بهذه المواد و احتكارها و عدم ترويجها في الأسواق لأسباب سياسية أساسا و غياب أي فكرة أخرى أو حلول ومقاربات اقتصادية لإصلاح ما يمكن إصلاحه.

 المعهد الوطني للإحصاء، كان قد أعلن في مارس 2023، أن نسبة التضخم سجلت ارتفاعًا في شهر فيفري لتصل إلى مستوى 10,4% بعد أن كانت 10,2% خلال شهر جانفي 2023.

وقد شهد مؤشر مجموعة التغذية والمشروبات ارتفاعًا بنسبة 2,6% مقارنة بالشهر السابق. ويعود ذلك بالأساس إلى الارتفاع المسجل في أسعار الدواجن بنسبة 5% وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 4,5% وأسعار لحم الضأن بنسبة 4,1% وأسعار البيض بنسبة 3,4% وأسعار لحم البقر بنسبة 3,3%.

وباحتساب الانزلاق السنوي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 15,6%. ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار البيض بنسبة 32% وأسعار لحم الضأن بنسبة 29,9% وأسعار الدواجن 25,3% وأسعار الزيوت الغذائية بنسبة 24,6% وأسعار لحم البقر بنسبة 22,9%.

  • توريط أوروبي لسعيّد في ملف الهجرة 

في نفس السياق، تحول ملف الهجرة نحو الضفة الأخرى للمتوسط  هاجسا يلاحق الشباب التونسي و مشكلا يقلق دول الإستقبال التي تسعى جاهدة لوقف هذه الموجة التي زادت حدتها مع توجه أعداد كبيرة من اللاجئين من دول إفريقيا جنوب الصحراء واعتماد تونس كنقطة عبور نحو الفضاء الأوروبي.

حسب المعطيات المتوفرة من قبل وزارة الداخلية الإيطالية و المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن عدد التونسيين الواصلين بطريقة غير نظامية إلى السواحل الإيطالية إرتفع من 11212 سنة 2020 إلى  14342 سنة 2021 و 18148 سنة 2022 ، و3432 مهاجراً إلى حدود 31 ماي من السنة الحالية. 

فيما تم منع أكثر من 23 ألف مهاجر من إجتياز الحدود البحرية خلسة خلال سنة 2023 تنوعت جنسياتهم بين تونسيين وأجانب إنطلقوا في قوارب من الشواطئ التونسية ، فيما بلغ عدد الممنوعين 38372 مهاجر خلال السنة الفارطة.

كما شهدت سنة 2022 تسجيل 581 ضحيّة ومفقود من المهاجرين ، و بلغ العدد 534 ضحيّة ومفقود خلال 5 أشهر فقط في سنة 2023 .

تصريحات لرئيس الجمهورية حول ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء، خلقت أزمة دبلوماسية لتونس، حيث عتبرت عنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء و شعوب إفريقيا الجنوبية المتواجدين في تونس ، حيث ذهب الرئيس قيس سعيد في بناء فرضية المؤامرة و السير فيها لمعالجة قضية هجرة هذه الشعوب لتونس في السنوات الأخيرة ،و اعتبر سعيد أن “ما يحصل هو مؤامرة تحاك ضد تونس لطمس هويتها العربية الإسلامية و تغيير تركيبتها الديمغرافية و أعطى تعليماته للقوات الأمنية بالتصدي لهذا “الغزو” ، ليجد نفسه فيما بعد مطالبا بنشر التوضيحات والتبريرات لإصلاح ما أفسدته تصريحاته.

كلمات لم ترق للشعوب الإفريقية المجاورة والمجتمع الدولي الذي حذر تونس من مواصلة السير في سياسة عنصرية ضد اللاجئين و المهاجرين. 

ارتفاع عدد قوارب المهاجرين المتجهة نحو الشواطئ الأوروبية جعل قادة القارة الأوروبية يتحركون لبحث خطط تحمي حدود دولهم و توقف تيارات الهجرة المتسارعة، وهو أمر لم تخفيه الحكومة الإيطالية اليمينية التي تعتبر من أبرز المساندين لحكم قيس سعيد، فتتالت الزيارات والمشاورات مع تونس لوضع خطة خوفا مما اعتبروه “إنهيار تونس” لينتهي بالإعلان عن إتفاقية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتونس من المتوقع توقيعها خلال الأيام القادمة. 

ارتفاع أعداد المهاجرين حسب الأرقام المسجلة و المعطيات اليومية التي تنشرها السلطات و على رأسها وزارة الداخلية تبرز وجود أعداد كبيرة من مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء أخذوا من تونس نقطة عبور نحو أوروبا، هذه الفئة التي هاجمها رئيس الجمهورية بخطاب اعتبره كثيرون عنصريا ، و قال إنهم يمثلون خطرا على “الهوية العربية الإسلامية” لتونس و إن وجودهم يدخل في إطار مخطط إجرامي، خطاب سجلت بعده تونس تصاعدا في حملات العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء واجهته منظمات المجتمع المدني بتحركات و بيانات تدعو السلطات إلى احترام حقوق المهاجرين، خاصة بعد أن أخذت القضية بعدا إقليميا و حملات تنديد من حكومات إفريقية و منظمات دولية.

  نشاطات الرئيس من وجهة نظر اتصالية

في قراءة اتصالية للإحصائيات التي رصدناها في كشف ميديا ثمّ قمنا بجمعها وتبويبها خلال إنجاز التحقيق وعرض تلك النتائج على خبراء في الاتصال و مختصين في الخطاب السياسي و علم الإجتماع كانت المواقف متباينة في قراءة تلك الإحصائيات فبعضها كان متشابه في جزئيات منها وبعضها الآخر متعارض. كما كان هناك مواقف ذات صبغة تبريرية في قراءة الاحصائيات.

على سبيل المثال اعتبرت الخبيرة الاتصالية و الأستاذة الجامعية زهرة الغربي أنّ الاتصال هو ردّة فعل وليس غاية في حدّ ذاته, وإنما يكون عادة في خدمة أهداف أخرى يمكن أن تكون ذات بعد اقتصادي أو سياسي أو ثقافي وهذا يتطلّب في حالة تقييم أنشطة رئيس الجمهورية قيس سعيّد نجده لا يمتلك أيّة استراتيجيّة تنموية للبلاد ترافقها في نفس الوقت استراتيجية اتصالية تخدم الاستراتيجيّة الأولى (التنموية) وتقوم بتفسيرها و التعريف بها للعموم والدفاع عنها أمام المعارضين لكن للأسف الشديد هذا غير موجود في أجندة رئاسة الجمهورية. رئيس الجمهورية وفق الخبيرة الاتصالية زهرة الغربي 

الاتصال يستخدمه سعيّد مناسبتيا عندما تقع أحداث معيّنة في البلاد أو خارجها وتنخرط فيها تونس من قريب عندها يجد الفرصة للحديث عنها أو مقابلة مسؤول حكومي أو أجنبي بيد أنّ المطلوب في عادة أيّ سياسة اتصالية هو رسم استراتيجية كاملة للبلاد و لتحركات الرئيس

في حين رأى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية منير سعيداني أنّ لقاءات رئيس الدولة أو زياراته الموثقة بموقع رئاسة الجمهورية لا تعبّر عن حقيقة تلك النشاطات لأنها لا تشمل التوقيت الحقيقي الذي يستغرقه أي نشاط رئاسي سواء في قصرقرطاج أو خلال الزيارات الميدانية و نوعية الخطابات الموجّهة لأنّه عادة تعطي المواقع الرسمية للدولة  تركّيزا أكثر على الكيف وليس الكم وبذلك لا يمكن لأي خبير اتصال أو باحث في لغة الخطاب أن يُلمّ بجميع جوانب هذا الموضوع ومفاضلة بين نشاط رئيس الجمهورية مع  هذه الوزارة دون أخرى بإعطائها وقتا أطول على حساب أخرى. بل ستكون العملية تأولية بحتة وخاضعة للتنسيب.

في سياق آخر أكّد أستاذ فلسفة الخطاب السياسي بالجامعة التونسية شهاب بوغدير أنّ تركيز رئيس الجمهورية  قيس سعيّد خلال فترة 4 أشهر التي وقع رصدها موقع كشف بين ديسمبر 2022 و مارس 2023 يفسر التوجه العام لسياسته مما يدلّ على توجهين عامين في اهتمامات رئيس الجمهورية الأولى المسألة الأمنية و الثانية المسألة القضائية. نظرا لارتباطها الوثيق بحسب تعبير بوغدير. و تتنزّل مسألة ربط الأمني والقضائي ضمن عقلية يسعى فيها الحاكم إلى تكريس نظام يعتمد أساسا على الأجهزة الصلبة لإدارة حكمه. النظام الذي أعقب تاريخ 25 جويلية 2021  رغم أنّ رئيسه وقع انتخابه ديمقراطيا بالصناديق سنة 2019 بأغلبية مريحة ولكن ما وقع بعد 25 جويلية أصبح النظام محتاجا لمن يسنده ويطبق أفكاره بل و يعطيه صبغة شرعيّة  التى افتقدها بعد ذلك التاريخ وهو إنّ الرئيس قيس سعيّد متأكد من أنه فقد شرعيته وهو كذلك قانونيا وأخلاقيا ويمكن القول صراحة بأنّ ما وقع يوم 25 جويلية هو انقلاب على الدستور,كامل الأركان, وفق وصف أستاذ فلسفة الخطاب السياسي شهاب بوغدير.

ويواصل البوغديري وصف ما وقع يوم 25 جويلية بأنّ أي منقلب على دستور بلاده يحتاج إلى المساندة وبالطبع سيجدها من المؤسستين الأمنية و العسكرية والقضائية وهو ما يفسر كثرة زياراته لهذه المؤسسات والإدارات التابعة لها و استقبال رؤسائها وفق تعبير أستاذ فلسفة الخطاب السياسي.

من جهتها أشارت الخبيرة و الاستشارية في الاتصال السياسي سمية بن رجب إلى أن اللقاءات والزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيّد تعكس اهتمامه الخاص بمتابعة الفساد في الاقتصاد ومسالك التوزيع و رهان الدولة على إيجاد الحلول للخروج من هذه الأزمة وهذا يفسر  تركيزه على دعم العلاقات مع الشركاء الاقتصاديين على المستويات الدولية و القارية.   

وفيما يخصّ محدودية لقاءات سعيّد مع ممثلي الوزارات ذات الصبغة الخدماتية الفلاحة والاقتصاد والتربية والصحة والتعليم العالي والثقافة مقابل تكرر لقاءاته مع ممثلي الوزارات السيادية ذات البعد الأمني والدفاعي والقانوني في مناسبات عدّة وأيضا مع رئاسة الحكومة رأت زهرة الغربي أنّ هذه اللقاءات إنما يفسّر غياب رؤية واضحة لدى الرئيس في قيادة البلاد والخروج بها من الأزمة. كما أضافت الخبيرة في الاتصال أنّ الرئيس لا يملك أي مخططات استراتيجية لتطبيقها بالاضافة إلى رفضه التخاطب مع وسائل الاعلام و الاعلاميين باعتبارهم همزة الوصل بين المسؤول والصناع القرار وعامة الشعب  في الداخل والخارج. فالرئيس  حسب تعبيرها مازال يدير البلاد من برجه العاجي ولا يملك أي هدف واضح المعالم.ولا يعترف بالإعلام ويعمل على تحاشيه. فالرئيس وفق وصفها يتصرّف مثل الربّان الذي يقود سفينة بحسب الرؤية البصرية لا بحسب الوسائل التقنية الموجّهة لدفة سفينته. 

 أستاذ علم الإجتماع بالجامعة التونسية منير السعيداني علّق على الإحصائيات التى جمعناها لنشاطات  رئيس الجمهورية قيس سعيّد الرئاسية لمدّة 4 أشهر من ديسمبر 2022 إلى مارس 2023  بالقول “يبدو جليا أن تركيز رئاسة الجمهورية كانت منصبة على تأمين الأمن القومي و أعطاء أولوية للقضايا ذات البعد الأمني”. وهذا الأمر مفهوم إلى حدّ ما باعتبار أن الأمور لم تكن مستقرة في الفترة الأخيرة بعد إثارة قضية التآمر على الأمن القومي وفق تعبيره. وبذلك نستطيع الاستنتاج أنّ الرئيس يولي الجانب الأمني الإهتمام الأكبر من نشاطاته. خاصة أنّ القضايا الأمنية عادة تكون غير واضحة للعيان في كل تفاصيلها.

وبشأنّ عدم تكرر لقاءات سعيّد مع الوزارة الخدماتية فتفسّر بحسب السعيداني بغياب استراتيجية واضحة لرئاسة الجمهورية. كما أن ضيق الأفق لا يسمح لها برسم أي خطط عمل حكومي وفق وصفها. ويظهر ذلك خاصة في ضعف اللقاءات مع وزير الفلاحة باعتبار أهمية هذا القطاع الذي عانى صعوبات كبيرة بسبب الجفاف وكان من المفروض أن يكون ذو أولوية في المتابعات يليه وزارة التجارة المسؤولة على التزود والتزويد بالمواد الأساسية في كافة أرجاء البلاد . لكن ما وقع هو أنه رغم محدودية المقابلات واللقاءات على هذا المستوى كانت اتهامات التهريب والمضاربة و المخربون والمتأمرون  والمتلاعبون بمسارات التوزيع والفساد والمفسدين لا تغيب عنها. 

ولكن أستاذ علم الإجتماع منير السعيداني يعود ويستطرد بالقول:

 إنّ لقاءات سعيّد لا يمكن أن تفسر اهتمامه بذلك القطاع من عدمه لأنّ الوزير أو رئيسة الحكومة يمكن ان تعوّض رئيس الجمهورية في هذه المسألة ويكون لرئيس المتابعة فقط.

من جهة أخرى أشارت الخبيرة في الاتصال السياسي سمية بن رجب أن رئيس الجمهورية رغم تفضيله وزارات عن أخرى للقاء ممثليها أو زيارتها فإننا نلاحظ أنّه خلال الفترة التى  كانت البلاد تمر فيها بأزمة الكوفيد 19 كانت أغلب نشاط الرئيس منحصر في وزارة الصحة وفق تقديرها.

من جهة أخرى تساءلت بن رجب عن سبب غياب ملفات حارقة على طاولة الرئيس كالتعليم و المرأة و الطفولة.

 و أشارت إلى أن  الصورة الاتصالية التي يصر فيها الرئيس دوما على احتضان الأطفال لا تعكس حضور هذه الملفات المهمة  التي تشهد تصعيدا  في النشاط للرئيس على الأقل حسب ما صرحت به لكشف ميديا. 

من جهة اخرى اعتبر أستاذ فلسفة الخطاب السياسي شهاب بوغدير أنه لو كان للرئيس سعيّد رؤية اقتصادية واجتماعية وتنموية في توجهاته – وهي الرهان الحقيقي اليوم بحكم الصعوبات الاقتصادية وغلاء المعيشة وفقدان السلع الأساسية – لكان ركّز في مقابلاته على الوزارات الخدماتية مثل وزارة الاقتصاد والفلاحة والتجارة والمالية  لكن ما شهدناه من خلال عدد الزيارات واللقاءات التى تمت من قبل سعيّد بعيدة كل البعد عن التوقعات المرجوّة. حيث تذهب بنا إلى مسارات جميعها تؤكد سعي رئيس الجمهورية  لبسط نفوذه و تركيز نظامه الجديد 

عملية الرصد والإحصاء والمتابعة لمسارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد السياسية واختياراته في إدارة الحكم والاتجاهات العامة التي يسلكها هو و حكومته، وشت بأننا  نتقفى أثر رئيس منشغل كل الانشغال بتركيز نظام سياسي فردي، يسلك خطى واضحة المعالم نحو الاستبداد، توضع فيه كل وجوه المعارضة البارزة تقريبا في السجن، رئيس يتابع بنهم شديد ملفات “التأمر” و “الصلح الجزائيّ الفارغة، من الأدلة والعائدات، والتي تبدو أولوية قصوى على غيرها من الأولويات كالأمن الغذائي والمائي وشح السيولة…

أولويات تغيب عنها رغبات مواطن في توفير بعض المواد الأساسية لأسرته وتوفير مورد رزق لشباب تائه وراء أحلام رسمها في مخيلته وجعل بلدان ما وراء البحار هدفا لتحقيقها بعد فقدانه الأمل في تحقيقها في وطنه.. فشتان بين طموحات الرؤساء وأحلام المرؤوسين.


بقلم:
خولة بوكريم
طارق الطرابلسي
أيمن طويهري
شيماء الهمامي
شاكر الجهمي
فادية ضيف
إشراف فني
أيمن طويهري
رسوم وغرافيك
مؤنس القاسمي



إشراف عام
خولة بوكريم


جميع الحقوق محفوظة كشف ميديا 2023